أصبح لدينا 29 محافظة، وهو أمر يجعلنا نشعر بالفخر والسعادة، لأن مصر تزداد فى عدد محافظاتها، حتى لو ظلت مساحتها ثابتة. ومن محاسن الصدف أن عدد محافظات مصر، أصبح يساوى عدد سنوات حكم الرئيس حسنى مبارك، الذى تسلمها 26 محافظة فقط. وعلينا أن ننتظر محافظة أو أكثر خلال السنوات القادمة. وربما أكثر.
نقول هذا بمناسبة قرار تحويل مدينة الأقصر إلى محافظة، والذى جاء متأخرا عدة سنوات، ومنذ عقود ونحن نسمع عن مطالب لتحويل المدينة الأثرية والسياحية الكبرى إلى محافظة، خاصة أن رئيس مدينة الأقصر له سلطات محافظ، ظل القرار مركونا لسنوات، حتى صدر فجأة، لتصبح مصر بها 29 محافظة، وبالرغم من وجود أسباب موضوعية لاختراع محافظة الأقصر، فإن هذا القرار أعاد التذكير بقرار سابق صدر العام الماضى، باختراع محافظتى حلوان و6 أكتوبر، بعد عملية خصم وإضافة وتباديل وتوافيق. جعلت "العاصمة" وكأنها ضربت فى خلاط. هناك مدن ألحقت بمحافظات بعيدة، وقرى انتقلت إلى عالم آخر. ونتمنى أن يكون قرار تحويل الأقصر إلى محافظة، تم بعد دراسات متأنية، ولم يكن مثل القرارات السابقة التى اتسمت بالتسرع، والعشوائية وغياب المنطق.
فى مصر فقط ينام المواطن فى محافظة، ويصحو ليجد نفسه فى محافظة أخرى. مثل بعض سكان القاهرة الذين أصبحوا فى حلوان. وبعض سكان الجيزة أصبحوا فى 6 أكتوبر، وحتى الآن، لم يتوصل أحد إلى السبب والهدف من ذلك. ومع أن تقسيم المحافظات يحتاج إلى دراسات ومناقشات وآراء لم توضع فى الاعتبار.. لكن هناك من يرى أن المواطنين لا يعرفون مصالحهم، وكان مجلس الشعب آخر من يعلم، وبالرغم مما قيل فى تبرير القرارات أو تسويقها. يومها قال بعض أعضاء مجلس الشعب إن هناك "من يقدم معلومات خاطئة للرئيس". نتمنى ألا تتكرر فى الأقصر.
استخدم الرئيس صلاحياته فى وجود مجلس الشعب، ولم يعرض القرار على مجلس الدولة، ومع ذلك فالقرار دستورى لأنه ضمن صلاحيات الرئيس التى تمتد إلى كل فرع من فروع الحياة. أما روح الدستور فقد طلعت من زمان. علميا خبراء التخطيط العمرانى أكدوا أن عنصر المفاجأة حرم البلد من دراسة متأنية، وخلق تضاربا فى الاختصاصات بين الحدود القديمة للمحافظات وضاعف أعباء الجهاز الإدارى للدولة..
وعندما صدر قرار اختراع حلوان وأكتوبر حاولت الحكومة تقديم مبررات مثل أنه سيحل مشاكل المرور ويضيف أبعاد استثمارية، لكن كل هذا لم يتحقق، فقد ظل المرور مزدحما، والاستثمار مختنقا. ربما ربح بعض سماسرة الأراضى، وتردد يومها حديث عن دور لبعض الاستثماريين فى التقسيم.
وأى قرار تكون له أهداف، ووراءه حكمة، والقرار الخاص بإضافة محافظتى حلوان وأكتوبر، بدا خاليا من الحكم والدروس المستفادة، فهو لم يحل المشكلات الرئيسية كالمرور والطرق، وأضاف تكاليف إقامة مديريات الأمن والمحافظات. وقيل أيضا أن القرار صدر لأهداف انتخابية، لكن هل يحتاج الحزب الوطنى لمحافظات جديدة وهو القادر على توظيف صوات الموتى والقتلى والمسافرين.
ثم أن القرار تركز على العاصمة ولم يتطرق إلى غيرها من المحافظات المخنوقة فى وسط الدلتا والتى ليست لها أى امتدادات عمرانية أو ظهير صحراوى، ولم تحل مشكلات الحدود بين محافظات مثل الإسكندرية ومطروح أو البحيرة وكفر الشيخ، أو القليوبية والمنوفية الخ.
ومن دلائل العشوائية أنه بعد اتخاذ قرار تقسيم محافظات العاصمة، اتضح أن به أخطاء فادحة اضطرت الحكومة معها لتعديل القرار مرتين لنقل تبعية الواحات البحرية إلى 6 أكتوبر بدلا من المنيا، أو نقل تبعية أطفيح والصف من الفيوم إلى حلوان. واتضح أن المحكمة الدستورية العليا انتقلت بالقرار العشوائى إلى محافظة حلوان فصدر قرار منفصل بانتشال المحكمة الدستورية العليا من محيطها ونقل تبعيتها للقاهرة، وظل ما قبلها وما بعدها وما حولها يتبع حلوان.
كلها أخطاء ساذجة تشير إلى أن الذين قدموا المعلومات للرئيس لم يكونوا صادقين، وربما كانت لديهم مصالح وأهداف خاصة. دفعتهم إلى تزوير الجغرافيا وتزييف المساحة. ولا تزال بعض المدن والقرى ملحقة بمحافظات تبعد عنها كثيرا فى حين انتزعت من مراكز ملاصقة لها، مثل جزيرة محمد التى تم إلحاقها بمحافظة 6 أكتوبر التى تبعد حوالى 100 كيلومتر عنها، بينما تلاصق هذه الأماكن الوراق فى الجيزة. ولو كان قرار التقسيم جاء من أجل تخفيف الضغط على المحافظات، لأصبحت شبرا الخيمة محافظة مستقلة لأنها تحوى وحدها 3 ملايين نسمة.
لقد كان قرار اختراع حلوان وأكتوبر، قرارا متسرعا، وعشوائيا، نتمنى أن ينجو قرار اختراع محافظة الأقصر خاليا من عيوبه، وأن تصدر قرارات لتحل مشكلات الحدود بين محافظات بحرى والصعيد، ربما ساعتها تصبح مصر خمسين محافظة. تناسب الفترة القادمة وما يليها من حكم الرئيس.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة