سعيد ياسين

مفتش "تموين" وصحة

الثلاثاء، 17 فبراير 2009 10:31 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
طالت وقفتى أمام "اللبًان" رغم أننى لم أطلب إلا كيلو لبن وثلاثة أكواب زبادى لأولادى، فهو كان مشغولا مع زبون آخر يحصل على كميات أكبر من اللبن والزبادى إلى جانب "القشطة" والسمن البلدى والجبنة الفلاحى والرومى والعسل الأبيض المعروض إلى جانب منتجات الألبان.

حاولت لفت انتباهه بالعطس والإشارات والهمسات عن بعد، إلا أنه تعامل معى كما لو كنت غير موجود رغم علاقتى الوطيدة به إلى حد ما، لم اتخذ قرارا بالذهاب إلى آخر فاللبن الذى يبيعه لى "حازم" جيد فى نوعيته ردىء فى سعره الذى يبلغ 5 جنيهات للكيلو، حاولت الانشغال بالرد على مكالمة تليفونية جاءتنى من ابنى محمد الذى سألنى فيها: هتيجى امتى يا بابا؟ وعندئذ أجبته بصوت عال وأنا انظر إلى البائع: دقيقتين يا حمادة عمو "حازم" بيجيب اللبن والزبادى.

سمعنى "حازم" بوضوح ، ولمحت فى عينيه انكسارة وهو يحاول المرور من خلف المشترى الآخر ليعطينى اللبن المعبأ سلفا فى أكياس بلاستيكية وبجواره الزبادى فى ثلاجة العرض، كان المشترى فى داخل المحل يحول بين حازم والثلاجة، كظمت غيظى وهو يرتب أشياءه فى الأكياس ويتأكد من عددها وكمياتها، اتخذت قراراً داخلياً بمقاطعة المحل وهممت بالانصراف، ولكن إشارة بسيطة من حازم وهو يرفع يده لى بعدما وضع إبهامه على سبابته فهمتها على أننى لن انتظر أكثر من دقيقة واحدة جعلتنى أتراجع.

أخيراً تنفست الصعداء حين وجدت المشترى الآخر يحمل أكياسه ويهم بالانصراف و"حازم" يقترب منه ليحمل معه الأكياس متسائلا: كله تمام يا باشا ؟ فأجابه بإشارة من رأسه محذراً : متنساش بكرة ؟ فأجابه بضيق ورأسه إلى الأرض وعينيه فى الأكياس : حاضر.

لفت انتباهى أن المشترى لم يدفع مقابل ما اشتراه، قلت فى نفسى ربما يكون دفعه مقدما، وفى محاولة لقطع الشك ووساوس الشيطان باليقين داعبت "حازم" : هو بيدفع ع النوتة ولا إيه ؟ أجابنى وهو يحضر لى طلبى بابتسامة تعلوها السخرية والتهكم : هو ما بيدفعش، سألته بحذر: ليه ؟ مد يديه بكيس اللبن والزبادى : أصله مفتش صحة؟ إجابته اليائسة دفعتنى للاستيضاح! وهو عشان "مفتش صحة" ميدفعش ثمن حاجات واخدها ليه ولولاده.. وقبل أن يجيبنى بلا أخبرنى أن ما أخذه يزيد سعره عن 150 جنيها، فقلت له بضيق وأنا ادفع له تسعة جنيهات ونصف ثمن كيلو اللبن و3 علب زبادى بلدى : وهو انت عندك حاجات مخالفة أو منتهية الصلاحية وغير صالحة للاستخدام الآدمى لا سمح الله ؟ فأجابنى : لا "بس صاحب المحل قاللى اديله اللى يعوزه".

استفزنى الموقف الذى لا تزال صورته تتداعى أمام ناظرى إلى الآن بعد تأكيد "حازم" لى بأن هذا الإجراء متبع مع جميع مفتشى الصحة فى المنطقة والحى الذى أعيش فيه، وأنهم لو لم يفعلوا ذلك مع مسئولى التموين والصحة والبلدية والضرائب وغيرهم، فان القضايا والدعاوى والإنذارات والمحاكم تكون مصيرهم وبئس المصير، وشرح لى وأفاض وحاولت تنبيهه إلى أنه طالما يتبع إجراءات السلامة المطلوبة لمنتجاته فلا يخشى فى الحق لومة لائم ، إلا أنه رمقنى بنظرة تتهمنى باللا مبالاة والخيبة وعدم تقدير الأمور بشىء من الحكمة قائلا : يا بيه البلد كلها ماشية كدة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة