◄لماذا امتلك صلاح دياب «المصرى اليوم»؟ ولماذا بقى حتى الآن عازفا عن الكلام والشرح والتفسير؟ ولماذا لم يشرح الدكتور وليد مصطفى ويحكى حكايته مع «اليوم السابع»؟ ولماذا قرر المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق للنشر أن يقتحم عالم الصحافة الهائج والمتوتر والمضطرب ويصدر الشروق كصحيفة يومية جديدة؟
كان المشهد مثيرا ومدهشا واستثنائيا وصاخبا ولافتا للانتباه والاهتمام.. ففى قاعة أنيقة بأحد فنادق نيل القاهرة وقف نجوم السياسة والمجتمع والفن والصحافة فى مصر يحتفلون بصحيفة جديدة فى مصر اسمها الشروق.. وفجأة.. وجدتنى أقف وحدى بعيدا لدقائق قليلة أتأمل كل هذا الذى يجرى أمامى.. وددت فى تلك الدقائق لو امتلكت الفرصة والحق فى أن أغوص داخل كل هؤلاء المبتسمين والمهنئين والسعداء بصدور صحيفة جديدة فى مصر.. هل هم سعداء حقا.. هل هم مقتنعون فعلا بأن مصر تحتاج لصحيفة جديدة.. وهل توقف أحدهم ليسأل ويحاول أن يعرف ويفهم معنى ودلالة أن تصدر صحيفة جديدة فى مصر!
وأنا هنا.. أبدا لا أدعى أننى سأحاول أن أعرف وأن أفهم بالنيابة عن كل هؤلاء الذين ذهبوا لتهنئة المعلم أو للتظاهر بذلك.. وعن الذين لم يذهبوا لأنه لم يكن باستطاعتهم أو كان المشهد يفوق طاقة احتمالهم.. ولكننى فقط سأتحدث فيما هو مطلوب وضرورى الخوض فيه بالكتابة والتحليل أو بالكلام والكشف.. حتى إن بقى هذا الأمر حتى هذه اللحظة من الممنوعات التى لا يقترب منها أحد، وكأن صحافة مصر التى امتلكت ألف يد وألف عين وألف لسان جعلتها تطال كل شىء وأى أحد فى مصر.. بقيت حتى الآن عاجزة أن تنظر فى داخلها وتلمس همومها ومواجعها ومخاوفها أيضا.. وهذا بالضبط هو ما أنوى القيام به الآن.. سأتحدث عن هذه الهموم والمخاوف.. عن الشروق واليوم السابع والمصرى اليوم والبديل والدستور وكل صحافة الناس.. عن الأهرام والأخبار والجمهورية وكل صحافة الحكومة.. عن كل هذه الصحف التى تملكها مصر ولا يهتم بها أو يقرؤها إلا مليون مصرى فقط، هم كل جمهور الصحافة فى مصر لا يزيدون أبدا رغم زيادة الصحف اليومية والأسبوعية التى يتوالى صدورها فى مصر.. ورغم ذلك امتلك إبراهيم المعلم من الدوافع والدواعى ما يجعله يفكر ويعتزم إصدار صحيفة جديدة.. ولا يزال هشام قاسم يبحث عن المقر المناسب لإصدار جريدة الكرنك والتى قد تصل ميزانيتها إلى قرابة الثلاثين مليون جنيه.. وهو ما يجعلنا مضطرين للتوقف وللتساؤل أيضا فى دهشة واستغراب.. ففى العالم كله من حولنا.. تتوقف الصحف عن الصدور أو تتوقف طبعاتها الورقية على الأقل.. بينما نحن فى مصر نشهد ونعايش فورة حماس ونشاط وطموحات تخرج لنا صحيفة جديدة كل أسبوع أو كل شهر.. العالم من حولنا يعلن دون خوف أو خجل بأن عصر صحافة الورق بدأ يعيش نهاياته بينما المشهد فى مصر لا يعترف أو حتى يقترب من ذلك.. فالصحافة الأمريكية على سبيل المثال استغنت فى عام 2008 عن خدمات 15 ألف صحفى وصحفية.. ونسبة الإعلانات فى الصحافة الأمريكية تراجعت فى الأشهر الستة الأخيرة بنسبة تجاوزت الثمانية عشرة بالمائة.. وأعلنت مجموعة تربيبون أنها وضعت نفسها تحت قانون الإفلاس وباتت مطالبة بإعادة الهيكلة حتى لا تتوقف مطابعها عن الدوران نهائيا فتموت صحف كبيرة وشهيرة تملكها المجموعة مثل لوس أنجلوس تايمز وشيكاجو تريبيون.. وقررت صحيفة كريستيان ساينس مونيتور التوقف نهائيا عن الصدور، وهى التى كانت من أكبر خمس صحف فى العالم، وذلك بعد أن تراجع توزيعها إلى اثنين وخمسين ألف نسخة فقط فى اليوم.. أما صحيفة النيويورك تايمز.. الأكبر والأشهر فى العالم كله.. فلم تخجل من القيام برهن مقر الصحيفة واستدانة مائتى وخمسة وعشرين مليون دولار فقط لتبقى على قيد الحياة.
كل ذلك يجعلنا نتوقف لنسأل: لماذا تسبح الصحافة المصرية ضد التيار.. أو ما هو التفسير الطبيعى والمنطقى والضرورى أيضا، لما يجرى حاليا على الساحة الصحفية المصرية والمناقض والمخالف تماما لما يجرى على الساحات المماثلة فى العالم كله.. هل قل عدد قراء الصحف فى العالم بينما زاد هذا العدد فجأة فى مصر.. هل تضاءلت مساحة الإعلانات على ورق صحافة العالم بينما زادت النسبة والمساحة فى مصر وحدها.. هل تحولت الصحف فى العالم إلى مشروعات خاسرة ومرهقة ومربكة لأصحابها بينما هى فى مصر لا تزال رابحة وإلى حد أن ربحها لا يزال يغرى جددا كل يوم بالنزول فى هذا البحر الواسع واللامع.. وما هى حسابات كل هؤلاء المغامرين قبل النزول فى هذا البحر ليصدروا المصرى اليوم والبديل والدستور والبلاغ واليوم السابع والشروق؟ هل كانت حسابات سياسية تتلخص فى امتلاك نفوذ وقدرة على التأثير أم حسابات اقتصادية تتمثل فى حماية مصالح قائمة حالية أو مستقبلية أم كانت مجرد وجاهة اجتماعية؟ وما الذى قام به المسئولون عن الصحف القائمة بالفعل.. مثل الأهرام أو الأخبار أو الجمهورية.. لمواجهة واقع جديد محفوف بالتهديدات والمخاطر ومجابهة مستقبل لن يكون رحيما قطعا بكل من هو عاجز عن التطور والتغير والاستجابة لقواعد اللعبة والمهنة التى تغيرت نهائيا وإلى الأبد؟
كلها أسئلة يسهل جدا الإجابة عنها لو كان الذى سيجيب هم محترفو الاتهامات السابقة التجهيز.. اتهامات من نوع العمالة للولايات المتحدة.. صحف صنيعة أمريكا.. أو يدعمها الإخوان أو ينفق عليها رجال أعمال شرفاء أو فاسدون حاضرون أو هاربون.. وكأن الحكومة الأمريكية ليست مهمومة بالشكل الكافى ببقاء صحيفة كريستيان ساينس مونيتور على قيد الحياة، أو بإنقاذ صحيفة لوس أنجلوس تايمز من الإفلاس، بينما نفس هذه الحكومة مشغولة ومهمومة بأن تخرج المصرى اليوم للمصريين كل صباح وأن تخرج اليوم السابع كل ثلاثاء.. ولو كانت الحكومة الأمريكية ووكالاتها وسفاراتها هى التى تصنع هذا النجاح بأموالها ودعمها.. لكان أولى بهذا النجاح والتنعم به صحف أخرى خرجت مباشرة من العباءة الرسمية الأمريكية تماما مثل قناة الحرة الفضائية، أو صحف ولدت وعاشت وهى تطرح نفسها للبيع كل نهار إلا أنها أبدا لا تجد من يهتم ويشترى.. ولكن لا أحد يفكر أو يتأمل.. فهى إجابات كما سبق أن أشرت.. إجابات ساذجة وسطحية وسابقة التجهيز.. تماما مثل اتهامنا الدائم لقناة الجزيرة على سبيل المثال بأنها الشوكة التى غرسها الأمريكان والإسرائيليون فى ظهر العرب.. اتهام لم يشعر أصحابه وقائلوه ومروجوه أبدا بالخجل ليس لأنهم أبدا لم يقدموا دليلا واحدا على ذلك.. ولكن لأنهم لم يقولوا لنا أبدا ما الذى قام به الإعلام العربى الذى لا علاقة له بأمريكا أو إسرائيل لمواجهة هذه الشوكة القذرة.. ولا كيف يمتلك العرب شوكة عربية يغرسونها فى ظهور أعدائهم.. وأصحاب مثل هذه الاتهامات سابقة التجهيز أيضا لا يخجلون حين يتساءلون عن دوافع رجال أعمال لإصدار صحف أو المشاركة فى تمويلها.. بينما لم يوجهوا سؤالا واحدا للحكومة التى فى تلك الظروف الصعبة، وفى نفس الفترة تقريبا أصدرت صحيفتين يوميتين جديدتين.. روز اليوسف والمسائية.. فلماذا الانزعاج إذن من أن يصدر أو يشارك رجل أعمال فى إصدار صحيفة جديدة، بينما لا أحد يسأل أو يحاسب الحكومة التى أبدا لم ولن تكون فى حاجة لأية صحف رسمية جديدة.
أما الإجابات التى تحترم العقل والمنطق وعقول الناس، فهى الإجابات الصعبة والمرهقة، لأن الغموض وغياب النور والوضوح والشفافية باتت هى السمة الأساسية لصناعة الصحافة المصرية سواء كانت صحافة رسمية أو غير رسمية.. فلم يحدث أبدا أن خرج علينا رجل أعمال من أولئك المغامرين الذين نزلوا إلى بحر الصحافة المضطرب ليقول لنا أسبابه ومبرراته ودوافعه وأيضا طموحاته.. وحتى الآن.. لا يعرف الناس لماذا امتلك صلاح دياب المصرى اليوم.. وكيف يمكن لتجربة صحفية مختلفة ورائعة وجديرة بالاحترام مثل المصرى اليوم، ورغم ذلك يبقى صاحبها عازفا عن الكلام والشرح والتفسير.. ولا كان الدكتور وليد مصطفى مضطرا فى أى يوم مضى لأن يشرح ويحكى حكايته مع اليوم السابع.. ولا المجموعة التى امتلكت البديل.. ولا لماذا أصدر نصيف قزمان جريدتى الفجر ووشوشة.. ولماذا قرر المهندس إبراهيم المعلم رئيس مجلس إدارة دار الشروق للنشر بألا يكتفى بعالم النشر الهادئ والمستقر برغم حدوث عواصف تهب عليه بين الحين والآخر ليقتحم عالم الصحافة الهائج والمتوتر والمضطرب ويصدر الشروق كصحيفة يومية جديدة.. فكل هؤلاء التزموا الصمت.. كلهم ناجحون جدا فى مجالاتهم الأخرى.. ومعظمهم ناجح أو سينجح فى مجال الصحافة أيضا.. ولكن لا أحد منهم يتكلم.. وغالبا سيقول لك أى أحد منهم إنه رجل يفضل العمل فى صمت وهدوء ولا تستهويه الأضواء.. وهى فى الأغلب إجابة كان من الممكن أن تسمعها وأن تقبلها لو قيلت قبل عشرين أو حتى قبل عشر سنين.. أما اليوم.. فهى تصبح إجابة عبثية لا معنى لها ولا منطق.. والمثير فى الأمر أن كل رجال الأعمال أولئك فى تفاصيل حياتهم ومكاتبهم وطموحاتهم وأفكارهم يمنحونك الإحساس بأنهم استوعبوا تجارب الأمريكيين والأوروبيين وأنهم يحلمون بقيادة القاطرة المصرية لتعبر الحواجز الصعبة نحو الآفاق الأكثر تحضرا ورحابة.. بينما حين تسألهم عن دوافعهم وحساباتهم الإعلامية.. يصدمك إحساسك -المؤقت- بأنك أصبحت فجأة تجلس أمام تاجر قادم لتوه من الأقاليم ليبيع ويشترى فى إحدى أسواق القاهرة الكبيرة.
ولأن هؤلاء لا يتحدثون.. فأنت تبدأ رحلة البحث عن إجابات وأنت مرهق وحائر أصلا.. لأن كلام هؤلاء كان ولا يزال هو البداية الصحيحة والمناسبة والضرورية أيضا.. ثم إن هؤلاء لا يقولون لنا أيضا كيف سيستمرون، أو لماذا يستمرون، بينما العالم من حولنا بدأ يشهد كثيرين يجمعون حقائبهم الصحفية ويوشكون على الاستئذان للانصراف وللغياب.. لا يقولون هل الصحافة لا تزال رابحة أم أنها تخسر وهم يدفعون ثمن هذه الخسارة من أموالهم وأرباحهم التى تحققها مجالات أخرى، وهم لا يدركون أنهم بذلك يفتحون الباب أمام اجتهادات الشائعات والأكاذيب، ولابد أن تكون هناك شائعات وأكاذيب، فالصحف المصرية القديمة والجديدة تتنازع لتأخذ كل منها حصتها من طبق واحد لا يتغير حجمه، فعدد قراء الصحف فى مصر إن لم يكن يتناقص تدريجيا فهو بالتأكيد لا يزيد مهما زادت الصحف الجديدة، والوعاء الإعلانى ثابت منذ سنوات على حاله لم يشهد أية طفرات لافتة إلا بعد دخول شركة اتصالات إلى السوق.. وهو ما يعنى أن نجاح أية صحيفة جديدة هو فى حقيقة الأمر على حساب كثير أو بعض من الصحف القديمة سواء من حيث عدد القراء أو حجم الإعلانات.. وهو ما يعنى أننا أمام حرب حقيقية دون أية مبالغة، وصراع حاد وقاس لن يرحم من يتكاسل ولن يغفر لمن يغفو ولن يسمح بفرصة ثانية لمن يسقط.. وهى الحرب الأخيرة للصحافة فى مصر.. حرب الحياة نفسها والبقاء وليست حرب الترف والرفاهية.. وصراع سيموت من يخسره وليس بالضرورة أن يعيش من يكسبه.. والمشكلة أنه إذا كان كثيرون من أصحاب وفرسان ومسئولى الصحافة الخاصة يدركون هذه الحقيقة بالغة البساطة والوضوح.. فإن الفرسان والمسئولين على الناحية الأخرى فى الصحافة الرسمية لا تشغلهم مثل هذه الحرب على الإطلاق.. لا تطوير ولا تغيير ولا أى رهانات جديدة على قارئ أو تمويل حقيقى بعيدا عن خزانة الحكومة المرهقة سلفا.. ولا أعرف كم من الوقت سيدوم قبل أن تكتشف الصحافة الرسمية أن الرهان على التاريخ ونجاحات الماضى لم يعد يصلح ولم يعد كافيا للاستمرار على قيد الحياة.
ولكننى.. على أية حال.. لم أكن أضع حواجز أو أقيم حدودا بين صحافة رسمية وأخرى ليست رسمية وأنا أطرح أسئلتى محاولا أن أبدأ فى البحث لها عن إجابات.. وأزعم أن كثيرين فى مصر اليوم سيشاركوننى الرأى والاعتقاد بسقوط وزوال مثل هذه الحواجز والحدود، وإذا كان معظمهم حتى وقت قريب فى مصر يقولون لك هذه صحافة قومية، وهذه خاصة وتلك حزبية، أما الأخرى فمستقلة، أو تجد المغرمين بالألوان فيقولون صحافة صفراء وصحافة أخرى يراها البعض سوداء وصحافة ثالثة بيضاء بكل دلالات ومعانى هذا اللون.. فقد سقطت كل هذه الفوارق الآن.. ولم يعد الناس يتعاملون إلا مع منتج واحد اسمه الصحافة.. وهل أنت تقدم صحافة أم تحترف التزوير فتمارس أية مهنة أخرى تحت اسم الصحافة.. فلم يعد الناس اليوم يختارون صحفهم المفضلة استنادا إلى الهوية أو اسم المالك أو الميول الحزبية أو حتى انتماءات رئيس تحرير أو رصيد رئيس مجلس إدارة.. وإنما المضمون هو الذى يؤثر فى القرار وفى الاختيار.. ليس القارئ فقط وإنما أصحاب المصالح أيا كان نوعها وحجمها.. وحتى جماعات السياسة أو الاقتصاد أو الدين.. أصبحت اليوم حرة تماما فى اختيار الصحف التى تصلح للتعبير عنها.. وهى ظاهرة بات الكل يعيشها، لكن لا أحد قرر من قبل مناقشتها بوضوح وعلانية وصوت عال.. فالحكومة التى تملك عشرات الصحف الكبرى والصغرى، بات من الممكن أن تلجأ لصحيفة خاصة أو أكثر لتطرح وجهة نظرها فى قضية ما أو ألف قضية، والأحزاب التى تملك صحفها الرسمية بما فيها الحزب الوطنى لم تعد تعتمد على هذه الصحف فى طرح برامج أو رؤى.. وعلى نهج الحكومة والأحزاب.. سار أصحاب القوى وقائدو التيارات المختلفة من يسار إلى إخوان مسلمين إلى مسئولى بنوك وكيانات كبرى.. وبالتالى سقطت كل الأقنعة القديمة والزائفة لتصنيف الصحافة وتقسيمها ولم يعد باقيا أو صالحا للبقاء إلا تقسيم واحد وواضح ودائم.. صحافة جيدة وصحافة رديئة.. صحافة ممكن أن يدفع الناس من أموالهم القليلة لتبقى، وصحافة ممكن أن يدفع الناس لتختفى وتسكت.. وهو أمر بالتأكيد بدأ يعيشه كل أصحاب الصحف الخاصة الذين تشغلهم وتؤرقهم وتربكهم حسابات الربح
والخسارة ومعدلات التوزيع والإعلان وضمان جودة المنتج الذى يطرحونه للبيع فى الأسواق وعلى الأرصفة كل صباح أو كل مساء أو كل أسبوع.. وهى حسابات باتت قطعا تتغير بمعدل سريع جدا.. ففى الوقت الذى أصدر فيه عصام فهمى صحيفة الدستور لأول مرة.. كانت الحسابات مختلفة تماما عما هى حين قرر عصام فهمى أن يصدر الدستور للمرة الثانية ثم يغامر أكثر فيجعلها يومية.. ووقت أن قرر صلاح دياب إصدار المصرى اليوم.. كان المناخ وقواعد اللعبة وحساباتها تختلف تماما عن مناخ تزامن مع إصدار البديل.. وتختلف عن المناخ الذى فيه توكل وليد مصطفى على الله وقرر إصدار اليوم السابع.. وإذا كان كل هؤلاء.. ومعهم عادل حمودة ونصيف قزمان وقبلهما مصطفى بكرى وعماد الدين أديب وآخرون كثيرون قد خاضوا المغامرة الصعبة، فإن إبراهيم المعلم بالتأكيد هو أكثرهم مغامرة.. فالشروق تصدر بعد أن سقطت تقريبا كل الموانع والمحرمات فى الصحافة المصرية.. وتغيرت الحسبة التقليدية للنجاح وللرواج.. فلم يعد انتقاد الرئيس أو الحزب أو الحكومة ضمانا مؤكدا لأرقام توزيع عالية وإقبال كثيرين بدوافع الفضول أو الفرجة أو عدم التصديق بأن كل ذلك صار متاحا وممكنا، ولا عادت صداقة وزير هنا أو رجل أعمال هناك ضمانة كافية لتأتى إعلانات تكفى للاستمرار حتى إن لم تأت بأى أرباح.. والناس لم تعد الألوان الفاقعة تغريهم بإخراج ثمن كل هذه الصحف من جيوبهم.. وهو ما يعنى أن الحفاظ على استمرار صحيفة قائمة بات مهمة صعبة جدا، وأن إصدار صحيفة جديدة بات مهمة أقرب إلى العمليات الانتحارية.
لماذا إذن تبقى وتعيش كل هذه الصحف، ولماذا تصدر صحف جديدة ستتوالى قريبا.. وقد يسارع البعض ويؤكدون أن رجال الأعمال الذين يقفون وراء هذه الصحف يرغبون فى توفير الحماية لنشاطاتهم وخلق ترسانة إعلامية تدافع عن مصالحهم فى حال الاقتراب منها أو الطمع فيها، ولكن ليس ذلك صحيحا فى معظم الأحوال أو معظم الصحف.. فأصحابها لم يكونوا فى حاجة لأية حماية ولو كان هذا هو تفكيرهم أصلا لكانوا سلكوا طرقا أخرى توفر حماية إعلامية أكبر وأقوى وبتكاليف ومخاطر أقل ماديا وسياسيا.. وقد يتخيل آخرون أن دوافع كثير من هؤلاء ليصدروا صحفهم هو البحث عن الوجاهة والنفوذ وتأكيد للمكانة وسط مجتمع بات تحكمه الأشكال أكثر من المضامين.. ولكن ذلك ليس صحيحا أيضا فى معظم الأحوال، فحتى وقت قريب جدا لم يكن امتلاك الصحف وفقا للمعايير السياسية والاجتماعية المصرية هو ما يأتى بالوجاهة ونظرات الاعتبار فى عيون الناس، ثم إن معظم الذين أصدروا هذه الصحف لم يحيلوها إلى مرآة تعكس أضواءهم وصورهم وأخبارهم.. وهو ما يعنى أنهم بالتأكيد ليسوا باحثين عن وجاهة أو مكانة وغير ذلك قد تجد ألف احتمال لألف إجابة.. قد تصح كلها وقد لا تصح أية إجابة منها.. وإن كنت لا أعرف لماذا نستبعد الحسابات المادية، أو لماذا لا يكون السعى وراء الربح هو هدف حقيقى ومشروع.. لا أعرف أيضا لماذا لا يمكن أن تكون كل هذه الصحف القائمة الآن هى محطات ليست نهائية لقطارات انطلقت بالفعل ورآها الجميع تنطلق على قضبانها لكن لا أحد يعرف نهاية كل قضيب وإلى أين يمضى بالقطار الذى عليه.. فمن الممكن أن تكون هذه الصحف مراحل انتقالية قبل تأسيس قنوات فضائية لتكتمل منظومات ومؤسسات إعلامية كبرى قطعا سيحتاجها زمن قادم وحكومات قادمة.. ومن الممكن أن يكون أصحاب هذه الصحف لهم نواياهم الخاصة والتى قد تكون وراثة الصحف والمؤسسات الإعلامية الرسمية التى بدأت تتهاوى، فكان القرار بأن يكونوا حاضرين وجاهزين لتسلم الإرث والذى سيجرى توزيعه وفقا لقواعد السوق القائمة وقتها.. ولا أقصد بالإرث مبانى وحجرا ومطابع ومكاتب وأروقة وممرات أو حتى أسماء قد لا يحتفظ بها إلا التاريخ وأدراج الأرشيف.. وإنما أقصد الدور السياسى والاجتماعى.. فحتى لو كانت الصحافة تعيش نهايات عصر فإن الإعلام لن يموت.. بل إننا مقبلون على عصر لن يحكم فيه المال بقدر الإعلام.. لن ينساق فيه الناس وراء قادة وزعماء بقدر ما سيسيرون وراء قنوات وأوراق تشكل حياتهم ومشاعرهم وحتى أفكارهم وطموحاتهم.
باختصار.. ولكى تكتمل الإجابة.. فلابد أن يتحدث كل اللاعبين وكل المغامرين -أيا كان حجم مغامرتهم وأيا كانت مساحة المسموح عرضه- من رءاهم ونواياهم وحساباتهم.. ولابد أن نسأل ولابد أن تأتى الإجابات الحقيقية على لسان أصحابها.. والصحافة التى غاصت فى أعماق الجميع كثيرا وطويلا.. آن لها الآن أن تغوص فى أعماق نفسها ولو قليلاً.
لمعلوماتك...
◄225 مليون دولار حجم استدانة النييويورك تايمز فى الفترة الأخيرة
◄15 ألف صحفى استغنت عنهم الأمريكية فى 2008
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة