ناصر عراق

أبو القاسم الشابي شاعر لكل العصور

الأربعاء، 11 مارس 2009 11:53 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تمر هذه الأيام الذكرى المئوية لميلاد أبى القاسم الشابى، مترافقة مع ذكرى مرور 75 عاماً على رحيله، لذا أظن أنه من الصعب ألا يقف مؤرخو الشعر العربى ونقّاده طويلاً أمام التجربة الفذّة والاستثنائية لشاعر تونس المتألق دوماً أبى القاسم الشابى؛ فالرجل الذى عاش حياة قصيرة؛ إذ رحل قبل الأوان وهو فى الخامسة والعشرين من عمره، استطاع أن يزرع بقصائده البهيّة شجرة وارفة فى حديقة الشعر العربى بشكل عام، الأمر الذى جعله أهم شاعر تونسى على مر العصور!

ذلك أن المغرب العربى عموماً - وليس تونس فقط - لم ينجب طوال تاريخه العريق شاعراً يسامق الشابى فى قامته المديدة، ولا يكافئه فى انهمار الموهبة وتدفّقها! أرجو ألا تظن أن هذا الأمر يعود إلى عطب ما أصاب طائر الخيال عندهم، فانصرفوا عن قرض الشعر أو كادوا، بل لأن العقل لديهم كان أكثر صحة وعافية من الخيال، فأقبلوا على ممارسة الأنشطة التى يغلب عليها إعمال العقل وملاحقة المنطق؛ فحققوا إنجازات مذهلة فى مجال الفلسفة والتاريخ والفقه والنقد على يد عباقرة مثل ابن خلدون وابن رشد وابن رشيق وغيرهم.

جذور الموهبة
تتكئ موهبة الشابى على أكثر من جدار، فهو كان يتابع جيداً القصائد التى يبدعها الإحيائيون المصريون، وعلى رأسهم أحمد شوقى وحافظ إبراهيم؛ حيث كانت أشعارهما تنشر فى الصحف اليومية والمجلات الأسبوعية التى كانت بدورها توزع فى تونس آنذاك.

فإذا علمنا أن الشابى قد بلغ مرحلة الصبا وأول الشباب فى منتصف العشرينيات من القرن الفائت، وأدركنا أيضاً أن الشعراء العرب قَدِمُوا إلى مصر عام 1927 ليتوّجوا شوقى أميراً للشعراء، وما صاحب ذلك من دعايةٍ ونشرٍ لإبداعات الرجل وقصائده، وإذا علمنا ثالثاً أن مرحلة الصبا - التى كان قد بلغها الشابى - من أكثر المراحل التى تدفع ابنها دفعاً إلى قراءة الشعر والاستزادة من فنونه، تبيّن لنا بوضوح مدى تأثر شاعر تونس الكبير بتجربة شعراء مصر الروّاد، وفى مقدمتهم صاحبُ «نهج البردة»!

أما الجدار الثانى الذى تتكئ عليه موهبة ابن تونس العملاق، فتتمثل فى اطلاعه على تجربة شعراء المهجر وهضمه الكامل لابتكاراتهم، كما أن علاقته بمدرسة الديوان المصرية وتحديداً أحمد زكى أبو شادى، رسَّخت عنده النبرة الرومانسية التى كان يقرأ عنها كثيراً لنجومها الأوروبيين.

شاعر كبير
هذه المؤثرات التى فعلت فعلها فى شعر الشابى ونثره، ما كان لها أن تنضجَ وتستقلَّ بذاتها لو لم يكن وراءها شاعر كبير ينهض على موهبة متفجّرة مدعومة بخيال خصب وثرىّ!.. الأمر الذى جعل شعره باقياً حتى الآن، على الرغم من أنه رحل قبل 75 عاماً..

اللافت للانتباه، أننى اكتشفت أن قصائده كانت تنشر فى الصحف والمجلات المصرية بعد رحيله.. وها هى قصيدته «وداع الحياة» منشورة فى مجلة «آخر ساعة، فى 7 ديسمبر عام 1949 - أى بعد غيابه بخمسة عشر عاماً، وقد ازدانت هذه القصيدة بلوحة تعبيرية رسمها الفنان الكبير بيكار"! إن أبا القاسم الشابى شاعر تونسى عربى عملاق عاش قليلاً.. وسيبقى طويلاً!








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة