جرت العادة فى السنوات القليلة الماضية، أن يسبق أى تعديل وزارى محدود، أو موسع، أو تغيير كامل، بشائر إعلامية ربما تكون قاطعة أحيانا، أو يمكن قراءتها من بين السطور فى الأحيان الأخرى، غير أن التغيير الذى تم اليوم، الأربعاء، لم ينطبق عليه هذه الحالة، فالمفاجأة هى سيدة الموقف فيه، الأمر الذى يطرح تساؤلا: لماذا تم التغيير؟، وهل كان هناك ما يستدعى إجراؤه بهذه الصورة؟.
الإجابة على ذلك تستدعى ملامسة طبيعة فريق العمل الوزارى بقيادة الدكتور أحمد نظيف، للوقوف عند ما إذا كان مارس مهامه وفقا لخطة حكومية مرسومة، أم أنه يسير وفقا لاجتهادات كل وزير فى مكانه مما يعنى افتقاد التجانس بين الفريق، واستعادة بعض المواقف فى الفترة الأخيرة تقربنا من الحكم فى ذلك، ويتمثل أولها فى حجم الاحتجاجات التى تفجرت بين قطاعات فئوية عديدة شملت التجار والموظفين فى التعليم، ومن قبلهم الصيادلة، والانتقادات الموجهة فى ذلك تذهب جميعها إلى الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية، بسبب قراراته الخاصة بالكيفية التى يريد بها جمع الضرائب، والمفارقة أن الاحتجاجات تقع دون أن تسرع الحكومة فى اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة الموقف، فهى تتركه حتى يحدث التدخل من الرئيس مبارك، ومع تكرار هذه المسألة بدت الحكومة وكأنها لا تملك كلمة الفصل فى الكثير من القضايا، ولا تملك الحلول السريعة فى إدارة الأزمات بالدرجة التى تعزز مكانتها شعبيا، مما شوه صورتها وجعل منها "حكومة أزمات" أكثر من أى شئ آخر.
لم تكن الصورة السابقة هى الوحيدة فى طريقة عمل الحكومة، وإنما امتدت إلى صور أخرى ومنها ترك وزير الاستثمار الدكتور محمود محيى الدين وحيدا فى مسألة "الصكوك الشعبية" دون العون من أى وزير آخر، مما دفع البعض إلى الاعتقاد بأنها مقصودة لحرق الرجل الذى يبدو أن أفق المناصب الأكبر فى الطريق إليه.
الحالتان السابقتان يمكن الاستشهاد بهما فى الدلالة على أن شيئا ما فى العمل الحكومى لا يمكن وصفه بالتجانس "المريح " و"الظاهر" والعديد من الأمثلة الأخرى تؤكد ذلك، منها مايحدث فى قطاع البترول مثلا والذى يقوم العمل فيه على "الشو الإعلامى" يستفيد منه وزيره سامح فهمى، وساهم كل ذلك فى الاعتقاد بأن التغيير الوزارى بات مطلوبا، على الأقل بين الوزراء الذين يبدو أنهم يغردون خارج السرب، لكن المفاجأة جاءت فى تغيير محدود يتمثل فى خروج وزير الموارد المائية الدكتور محمود أبوزيد، وفصل السكان والأسرة عن الصحة وجعلها فى وزارة جديدة تتولاها الدكتورة مشيرة خطاب، والتغييران يحملان تساؤلات عديدة أبرزها هل جاء تغيير أبو زيد على خلفية مايحدث فى مشروع توشكى الذى تعددت الآراء بشأنه فى الآونة الأخيرة؟ خاصة ما يقال بأن التراجع هو سيد الموقف فيه، وكان لأبو زيد بعض الآراء "المتحفظة" حول ما يحدث فيه، وفى غياب المعلومات الحقيقية لا يتبقى فى التناول غير الاجتهادات.
أما على صعيد الوزارة الجديدة الخاصة بالأسرة والسكان فيمكن ربطها بسيل التشريعات الأخيرة الخاصة بقانون الطفل، وما تعتزم الحكومة فعله فيما يتعلق بتوسيع مشاركة المرأة فى العمل البرلمانى عبر تخصيص دوائر لها. الخلاصة أننا أمام تغيير لا يشبع، ويفتح باب الأسئلة أكثر ما يغلقها.