المعارضون فى مصر يسيرون على الخط الذى ترسمه الدولة دون انحراف، وسواء كان ذلك يتم عبر اتفاق مسبق، أو لأن الدولة ضحكت عليهم وسقتهم حاجة أصفرا.. تبقى النتيجة واحدة، نظام يحكم ويتحكم ومعارضة تمثل على الناس وتضحك على نفسها.
هذا عن النخبة فى صفوف المعارضة، أما عن الناس فيبدو أنهم ارتضوا الاتفاق الذى تم دون عقد مع الدولة وجاء نصه كالتالى: (من حق كل فئة من فئات الشعب أن تعلن إضرابها وترفع لافتة أو اثنتين أو تلاتة حسب ما يتوفر لديها من القماش تندد فيها برئيسها المباشر، وتتهم الوزير المختص بالكسل، وتعلن مطالبها التى لا تتعدى علاوة شهرية أو حوافز سنة مالية.. وتتعهد الحكومة مقابل التزام فئات الشعب المختلفة بتنفيذ السابق دون خروج عن النص، أن تلتزم هى من جانبها بالاستجابة للمطالب جميعها فى شكل وعد مبدأى، يتحول عقب نشر صور الاعتصامات فى الصحف إلى قرار رئاسى بالاستجابة الفورية، يعقبه 10 لافتات شكر وتأييد للرئيس مبارك أو 20 أو 30، حسب ما يوفره الحزب الوطنى من أقمشة للمواطنين أصحاب الاعتصام).
اتفاقية عادلة خلقتها الظروف وأثبتت نجاحها مع فئات مختلفة مثل المدرسين والصيادلة والمحامين والصحفيين، وفى الوقت نفسه ارتضى جميع الأطراف الالتزام بها دون شوشرة على اعتبار أن الكل مستفيد، الدولة تسمح للناس بهامش اعتراضى لا يعلو فوق رئيس الوزراء، وتحمل الناس «جمايل» القررات الرئاسية التى تأتى دائما منصفة للشعب، وتؤكد بأنه: «لا حل ولاربط فى تلك الدولة إلا عن طريق الرئيس.. فقط».. والناس من جانبهم لا يمانعون أن يعتصموا يومين أو حتى عشرة فى الشارع من أجل مطالبهم التى تأتى فى أغلبها مالية.. ولهم كل العذر فى ظل المعاناة اليومية والأسعار التى لا تعرف طريقا للهبوط أبدا.
أما بالنسبة للمعارضة.. فهو اتفاق مغر يسمح لها بممارسة أى نشاط على هامش الإضرابات الفئوية.. يرفع كل فصيل معارض لافتة هنا أو هناك، أو يعقد ندوة ويضع على منصتها واحدا من قيادات الإضراب، مع المزيد من الهتاف والتصفيق أمام كاميرات الفضائيات، وبعدها يتحدث كل تيار معارض بضمير مرتاح وكأنه أنقذ مصر من أزمتها وأدى واجبه حتى آخر سطر فى الصفحة الأخيرة من كراسة النضال الوطنى.
وحتى حينما تصاب سوق الإضرابات ببعض من الكسل، لا تعود المعارضة إلى الشارع لممارسة دورها فى كشف الحكومة وفسادها، أو التظاهر فى الشوارع مطالبة بسقوطها، كما كانت تفعل منذ سنوات، ربما لقلة حيلتها، أو ضعفها الذى لا تعترف به، أو عيب ما فى «أمبير» الإخلاص الخاص بقادتها.
الأحزاب وكفاية والإخوان وغيرهم أعجبتهم كشوف الأعذارالتى تتضمن التضييق الأمنى، وتحكم الحزب الوطنى، ويرفعونها كلما سأل أحد عن سر اختفائهم، وكأنهم تخيلوا فى لحظة ما أن وظيفة المعارضة أن تقول للنظام «بخ» فيسقط على الأرض رعبا دون حتى أن يقول «يامه».
وكلما يشعر معارضون مصر الأفذاذ بنظرة السخرية فى وجه الناس، يأتون بـ كشكول 60 ورقة من بتاع المدرسة الإعدادية، ويعلنون عن اجتماع مصيرى بالنسبة للأمة، ويخرجون للناس بعد أسبوع بوثيقة تحمل اسم إنقاذ مصر، يتغير اسمها وليس مضمونها، حسب مزاج صاحب الكشكول لتصبح فى مرة «الجبهة الوطنية للتغيير» أو كما استقرت مؤخرا لتحمل اسم «إعلان القاهرة للديمقراطية»، على اعتبار أن ما فشلت فى تحقيقه وثيقة إنقاذ مصر ستحققه وثيقة إعلان القاهرة للديمقراطية لأن الأولى كانت مكتوبة بقلم «بيج» والثانية كتبت بقلم «باركر».
عموما أنت الآن تعتبر الكلام السابق نوعا من تكسير المجاديف، أو تقليلا من شأن مجهود نخبة المعارضة فى مصر.. بينما الحقيقة أن الأمر يتعلق بضرورة لفت نظر تيار يقول إن هدفه إنقاذ مصر، دون أن يفعل شيئا سوى الهتاف حينما يشتد الظلم: «لحظة واحدة يامصر.. هاكتب وثيقة إنقاذك واجيلك».
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة