خالد صلاح

قصر العروبة لا يحرك القوى العسكرية للاحتلال ولا يخترق مخابراتيا بلدان العالم النامى ومنابع ثروات النفط كما يفعل البيت الأبيض

هل من حق المعارضة المصرية بناء علاقات مباشرة مع أمريكا؟

الخميس، 19 مارس 2009 05:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قرأت بيانا مطولا أعده حزب الإصلاح والتنمية (تحت التأسيس) بتوقيع وكيل مؤسسى الحزب السيد محمد أنور السادات، يدعو السلطة فى مصر إلى التساهل مع قيادات المعارضة المصرية فيما يتعلق ببناء جسور من العلاقات المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، ويرى أنه ليس من العيب التواصل المباشر مع الإدارة فى البيت الأبيض أو المؤسسات السياسية الأخرى فى قضايا الشأن الداخلى، ويعتبر بيان الحزب أن من حق أحزاب وتيارات المعارضة فى الساحة السياسية المصرية تأسيس هذه العلاقات المباشرة مادام أن الرئيس مبارك نفسه يلتقى قيادات المعارضة فى الخارج دون أى اتهام يمس شرف هذه المعارضة فى بلدانها الأساسية.

هذه الأطروحة من النائب البرلمانى السابق تتقاطع فى الحقيقة مع المصلحة الوطنية المصرية جملة وتفصيلا، من وجهة نظرى، والمقارنة التى وردت فى البيان بلقاء الرئيس مبارك مع قيادات المعارضة فى الخارج هى مقارنة ينقصها المنطق السياسى، كما تنقصها أيضا نوايا مبارك عند لقائه بالمعارضة فى البلدان الأوروبية فى مواجهة نوايا الولايات المتحدة الأمريكية فى علاقاتها بكل تيارات المعارضة فى أى بلد فى العالم.

قصر العروبة ليس كالبيت الأبيض، قصر العروبة لا يقرر غزو بلدان بالقوى العسكرية الغاشمة، وقصر العروبة لا يقرر التدخل بالمال والسلاح فى النزاعات العرقية أو الطائفية فى العالم كما يفعل البيت الأبيض على مدى العهود الرئاسية المتتالية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، وقصر العروبة لا يسخر أجهزة المخابرات لاختراق أحزاب المعارضة فى العالم، وقصر العروبة لا يدير العالم بالسلاح والمال كما تفعل الإدارة الأمريكية، وقصر العروبة لا يبتغى نفوذا فى غير محله ولا استعمارا لبلدان آمنة كما فعل الأمريكيون فى العراق وفى أفغانستان.

المقارنة هنا ظالمة وغير موفقة بين لقاءات الرئيس مبارك مع قيادات أحزاب المعارضة فى الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، وبين لقاءات الخارجية الأمريكية أو البيت الأبيض مع قيادات المعارضة فى مصر والعالم العربى، مصر تلتقى مع قيادات معارضة فى بلدان ديمقراطية متقدمة ومستقرة، أما الولايات المتحدة فلا تبنى جسورا مع الجماعات السياسية لوجه الله أو فى سبيل حقوق الإنسان، ولكن لمزيد من التدخل والتأثير وفرض الهيمنة والبحث عن أنصار لها ولسياساتها فى كل بقاع الأرض وبصفة خاصة داخل حدود الشرق الأوسط.

ومن ثم فإن دعوة النائب لإطلاق يد الولايات المتحدة فى الحوار أو التعاون مع أحزاب المعارضة المصرية هو اقتحام لدائرة من النار لا يمكن الإفلات منها بسهولة، إنه نوع من اللعب العلنى فى أمن مصر وسياستها لا يتناسب مطلقا مع ما يمكن أن تحتمله بلادنا من تدخلات جديدة، ولا يتناغم مطلقا مع مشاعر الرأى العام المصرى الذى يعانى من سياسات الإدارات الأمريكية السابقة على إدارة أوباما، إذ إننا لم نعرف حتى اليوم ما الذى سيفعله أوباما بالفعل تجاه قضايا المنطقة، الرأى العام المصرى يعرف أن واشنطن هى الداعم الأول للسياسات الغاشمة التى تنتهجها تل أبيب ضد الفلسطينيين، ويعلم أيضا أن الولايات المتحدة هى التى أهدرت ثروات هذه المنطقة من النفط فى احتلالها الغاشم للعراق، ويعرف أيضا أن البنتاجون والمخابرات المركزية الأمريكية هى التى مهدت الأرض لنشأة الإرهاب المسلح فى المنطقة خلال حربها مع الاتحاد السوفيتى السابق، لينقلب هذا الإرهاب على أمريكا وعلى الجميع فى عصر تنظيم القاعدة.

دعوة حزب الإصلاح والتنمية، أو لنقل تأدبا، هذا الطرح الفكرى من الحزب يأتى على عكس هوى الرأى العام فى مصر، ويأتى بلا إدراك سياسى كاف للدور الذى تلعبه الاستخبارات الأمريكية فى توجيه السياسة الأمريكية تجاه أحزاب المعارضة فى العالم، ولعل النائب السابق يتنبه بالطبع إلى ما يجرى عند حدودنا الإقليمية مما يهدد بلادنا ويضعها فى عين عاصفة جامحة قد تجر فى طريقها أمننا الوطنى لسنوات طويلة إذا ما استمرت المأساة إلى النهاية، فنحن محاطون بإسرائيل من ناحية الشرق، وبصراعات فلسطينية إسرائيلية فى غزة، وبتهديدات عسكرية متواصلة لحدودنا الشرقية، وبقراصنة يرتعون فى البحر الأحمر، وبأزمة جارفة فى السودان قد تتحمل مصر خسائرها الكبرى حال تقديم الرئيس السودانى عمر البشير إلى المحكمة، نحن فى خطر لا يحتمل هذا الترف السياسى، وفى وضع إقليمى ودولى لا يسمح لنا بأن نترك لأى جهة أجنبية حق التدخل (البرىء أو الخبيث) فى الشأن الداخلى المصرى، أو باللعب الذى قد يقود إلى تهديد مباشر لمصالحنا الوطنية.

لا أشكك هنا أبدا فى وطنية أحد، أو أدعى علما فوق علم مؤسس حزب الإصلاح والتنمية، بل أرجو له بكل تأكيد المشاركة الوطنية الفعالة فى العمل السياسى، ولكننى أحذر من أطروحة أراها (واهنة الاستدلال)، و(تغفل نوايا القوى الكبرى) لدى علاقتها مع بلدان العالم النامى، فضلا عن أن يكون هذا البلد هو مصر بوضعيته الجغرافية والسياسية والاستراتيجية، وفضلا عن كون هذا البلد مجاورا لقوة استعمارية دموية وطامعة مثل إسرائيل، ومحاذيا لثروات بترولية هائلة تفتديها البنتاجون بالسلاح والجنود وتضعها تحت سيطرتها العسكرية المباشرة.

ظنى أن هذا النوع من الدعوات (الجدلية) لا يمكن أن ينعكس بالإيجاب على حزب يسعى لقطع الخطوة الأولى فى طريق المشاركة السياسية فى مصر، وظنى أيضا أن تورط الولايات المتحدة الأمريكية فى الشئون الداخلية فى مصر أو فى أى بلد فى العالم يتشابه مع أحكام الخمر فى الإسلام، بمعنى أن (إثمها أكبر من نفعها)، فلا البناء السياسى للأحزاب الأمريكية يصلح للاستنساخ فى مصر، ولا الآليات الديمقراطية التى تعمل بها هذه الأحزاب يمكن تكرارها فى الحالة الحزبية المصرية، فأحزاب مصر فى حالة إلى بناء آليات ديمقراطية تتعاطى مع الثقافة المصرية فى العمل السياسى، وتتفهم الطبيعة الخاصة للمواطنين والنشطاء الحزبيين، ومن ثم فإن الاستدلال بأن العلاقات مع الأحزاب الأمريكية يمكن أن يؤدى إلى نتائج إيجابية يجافى حقيقة الاختلاف الثقافى والسياسى بين البلدين.

صحيح أننا نريد تجربة ديمقراطية مشرقة تسمح بالمشاركة السياسية النزيهة، لكننا فى الوقت نفسه نريد أن تنطلق هذه التجربة من الثقافة المصرية وبآليات مصرية، وصحيح أيضا أننا نريد استلهام طريقة أفضل لتأسيس هياكل حزبية تنشط على المستوى الجماهيرى، لكن صحيح أيضا أن هذه الطرق يمكن ابتكارها فى الداخل، كما أن استنساخها لا يحتاج من رئيس حزب مصرى أن يطلب دعما سياسيا، لا قدر الله، من أحد الأحزاب الأمريكية.

نصيحتى للنائب السابق أن يتجاهل هذه الدعوة، ويسقط هذه المقارنات لأنها فى غير محلها، وأن يحافظ على سمعة حزبه الذى لم يولد بعد، فمصداقيته وشرعيته فى الشارع المصرى أولى من انتزاعه الحق بالتواصل المباشر مع الأحزاب الأمريكية، وقدرته على الوصول إلى ضمير الناس أهم من الوصول إلى علاقات قوية وندية مع الإدارة أو مع الكونجرس فى واشنطن. وبلادنا وأمنها، وأحزابنا وسمعتها، من وراء القصد.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة