حمدى الحسينى

كان هذا هو الموجز!!

الإثنين، 02 مارس 2009 01:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى ذلك المساء كان عبد الدايم يجلس القرفصاء يستمع بإنصات لنشرات الأخبار كعادته، فهو مهووس بسماع الراديو الذى يجعله ملاصقاً لأذنه بطريقة مثيرة.. صياح طفله يشوش على صوت المذيع، بينما الزوجة مشغولة فى إعداد الطعام.. نادى عليها أن تلاعبه أو تسكته حتى يتمكن من متابعة الأخبار.. الزوجة لم تبالِ.. توسل إليها بلا فائدة.. استشاط غضباً.. اتجه إليها بلا وعى وهوى بالراديو على رأسها فتفجرت منه الدماء.. عبد الدايم لم يفق سوى فى قسم الشرطة لحظتها تيقن أن الأمر قد خرج عن نطاق البيت.. تجمع أهل الزوجة وأقاربها الغاضبين محاولين اقتحام القسم.. انضم إليهم بعض المارة والفضوليين.. الشرطة وضعت الحواجز لمنع الحشود ثم استعانت بقوات إضافية.. حالة من الهرج والمرج دفعت الشرطة لإطلاق النار فى الهواء لردعهم.. الخبر تسرب إلى الصحف.. إذاعة دولة مجاورة لا تستبعد وقوع مظاهرات مناوئة.. ثم صدامات عنيفة.. الإذاعات المحلية تستنكر النبأ وتصفه بأنه افتراء يفضح نوايا سيئة وسلوكاً معادياً، الأمر الذى فسرته الإذاعة المجاورة، بأنه تهجم على البلاد وشعبها، فهددت بالكشف عن معلومات مهمة.. كل طرف يحذر الآخر من مغبة القيام بأى عمل يستهدف أمنه واستقراره.

لم يكن عبد الدايم وحده من غابت عنه الأسباب الحقيقية لهذه التطورات إذ صار بوسع المتابع أن يسمع كل يوم ما يمكن أن يشكل بذاته أحد تلك الأسباب.. حين ناولته زوجته كوب الشاى هذه المرة كان عبد الدايم محشوراً هناك فى زاوية بالبيت محتضناً الراديو، بينما الجرح أخذ فى الالتئام وصار ندباً سطحياً فى رأس الزوجة، بينما انفتح وأصبح هوة عميقة فى العلاقات بين البلدين اللتين تعلن إحدى إذاعتيهما عن بيان قريب بعد تسريب مقصود لمعلومات تفيد اعتزام أحد الطرفين الاستعانة بقوة خارجية، تحسباً لعدوان مُرتقب، ثم حشد الحشود على الحدود.. فى هذه اللحظة يتعالى صوت الطفل من جديد.. عبد الدايم يطلب من زوجته إسكاته.. يزداد توتره يكاد يتكرر اعتداؤه على زوجته.. يقرب الراديو من إذنه، ينصت.. ينطلق صوت المذيع.. "كان هذا هو الموجز".

ما سبق ملخص لقصة قصيرة من بين مجموعة قصصية للصحفى والكاتب الليبى بشير زعبية.. رغم أن أحداث القصة الطريفة مجرد خيال أديب، لكنها تعكس رؤية الأدب للعلاقات التى تربط بين الأشقاء العرب.

بعيداً عن العلاقات الشعبية التى تخفى الكثير من الأحقاد والعداوات غير المبررة بين شعوب مقهورة أصلاً، تعالوا نتأمل خريطة العلاقات الرسمية العربية.. نبدأ بأقرب شعبين المصرى والسودانى، ففى عام 1995 جرت محاولة اغتيال فاشلة للرئيس مبارك فى أديس أبابا، تبين أن المنفذين مصريون تدربوا وخططوا للحادث على أرض الشقيقة السودان، وهو ما دفع مسئولاً مصرياً رفيعاً فى حينها إلى التلويح باحتمال قيام مصر بعمل عسكرى ضد السودان رداً على تورطها فى محاولة الاغتيال.. بعد شهور تفجرت أزمة جديدة بشأن تبعية منطقتى شلاتين وحلايب الحدوديتين، ثم تكرر التوتر الذى أوشك أن يتحول إلى مواجهات مسلحة.

أما ليبيا ومصر فقد شهدت علاقاتهما توترات لا تقل سخونة، فبعد زيارة الرئيس السادات المفاجئة للقدس عام 1977.. وسط حملات إعلامية عنيفة بين البلدين اتهمت مصر القذافى بتدبير محاولة لاغتيال السادات، أعقب هذه الاتهامات مناوشات عسكرية على الحدود المشتركة.

وفى عهد الرئيس التونسى الراحل الحبيب بورقيبة ظهرت أزمة فى جنوب تونس، عُرفت بـ"انتفاضة" الخبز.. الإعلام التونسى اتهم ليبيا بدعمها، وحدثت احتكاكات عسكرية على الحدود أيضا.. إلى الآن يوجد بين الجزائر والمغرب ما يعكر صفو البلدين دائماً.. السبب هو إصرار الجزائر على دعم مطالب الشعب الصحراوى فى الاستقلال عن المغرب.. لن ننسى أن احتلال العراق للكويت جاء على خلفية النزاع على ملكية بئر بترول، فيما أوشك الخلاف بين البحرين وقطر على الانفجار لولا لجوئهما إلى التحكيم الدولى.. كذلك الحال بالنسبة لليمن والسعودية، فقد وصل الصراع بينهما إلى مراحل خطيرة يعرف تفاصيلها أبناء القبائل الحدودية.. نفس المشكلات كانت قائمة بين سلطنة عُمان واليمن إلى أن تم ترسيم الحدود بينهما قبل سنوات.

أما الخلافات بين سوريا والأردن وسوريا ولبنان، فهى معروفة وما زالت قائمة حتى اليوم.. هكذا أزعم بأنه لا يوجد بلد عربى واحد على علاقة طيبة وطبيعية مع أشقائه وجيرانه حتى اختلطت الأمور على المواطن العربى، فلم يعد قادراً على التمييز بين العدو والشقيق.

لقد اخترت قصة "كان هذا هو الموجز"، لأنها تثبت بأن العلاقات العربية قائمة على ألغام، مطلوب أولاً نزع فتيلها قبل أن تنفجر فى وجهنا جميعاً فى أية لحظة!!









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة