ماذا يحدث عندما يغيب شاعر حقيقى؟ أعتقد أن الإنسانية تفقد أحد حكمائها، العارف المتخفى وراء أسئلته وإشاراته، كما تفقد الحياة إحدى مسراتها القليلة، بالضبط مثل انقطاع التيار الكهربائى وأنت مستغرق فى القراءة أو متوحد مع قطعة موسيقى.
ومع ضجيج الكلام حول الشعر فى المؤتمرات والمهرجانات الاحتفالية، لابد للشاعر أن يذهب إلى الشعر كما يتبدى فى أبسط معانيه، فى أوضح صوره، فى أكثرها تجرداً ودلالة على الفن الكاشف الذى لا يقبل المتاجرة به أو امتطاءه لكسب سريع أو مؤجل.
تذكرت غيابك أيها الشاعر الصديق بسام حجار فى مثل هذه الأيام من الشهر الماضى، تذكرتك وأنت تبتسم فى خجل، وأنت تضع المعنى بين الكلمات لتظهر أمام أعيننا الصور المدهشة، التى تشير إلى وضعنا المأساوى.
عندنا احتفالات صاخبة أيها الصديق بسام بما ليس شعراً، ونحن نرفع يافطة الشعر، كيف يحدث ذلك؟ كيف يتأتى لنا أن نرفض الإنصات لقانون الأشياء، بينما نزعم الإمساك بالمعرفة الكاملة وبالجمال المطلق؟
هل تستطيع أيها الصديق بسام أن تجيبنى من الضفة الأخرى، ضفة الغياب؟
أنا لا أعتبرك غائباً لذا أسألك، لماذا يغيب عندنا كثيرون حاضرون بأجسادهم وأصواتهم التى تعلو مثل أمواج البحر، ثم ينسحبون فور اصطدامهم بصخور الزمن ولا يعود لهم صدى يذكر؟ ولماذا يرتفع نداؤك: عودوا إلى ذواتكم، تجددوا بالصمت والسكينة، تذكرتك وأنت تقول:
لا تجمع الكِسرة إلى الكِسرة،
لكى تقول بحبور القائل: هذا إناء معافى
أو هذه المزهرية التى حفظت روحى،
لن تبرأ الكسور من حطامها،
لن تبرأ الكسور من فتنة لمعانها البارد..
تذكرتك يا صديقى بسام وأنا أشهد المتطاوسين أدعياء الحياة رغم موتهم، وتذكرت كلماتك أنت المسكون بمعنى الوجود:
وأحببتُ الوردة
ولشدّة ما أحببتُ
جفّت البتلات..
تذكرتك فى أوج المهرجانات والزعيق وأنت تهمس:
قالَ اتبعني
وما أحببتُ شيئاً
إلا أماتني
وأحيانى كطيفٍ
ثمّ صار غريبى..
تذكرتك يا صديقى بسام وأنا أشهد الموتى يتحدثون بأفخم العبارات عن الحياة وكأنهم يحبسونها فى أقفاص لديهم، وأحببت فقط أن أحييك، من ضفة الشقاء، قبل أن أغلق كتابك العزيز إلى قلبى "مهن القسوة".
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة