هل أصبح لصوص المال العام، خاصة الذين يتبعون أساليب قطاع الطرق شبحا لا يمكن الوصول إليه؟وهل بلغ تراخى الأجهزة الأمنية حد أن جريمة واحدة تتكرر بنفس الأسلوب، وعلى فترات زمنية متقاربة دون أن يتم الكشف عنها ومطاردة اللصوص الذين يرتكبونها؟
الجريمة المقصودة، خاصة بسرقة الكابلات التليفونية، والتى انتشرت فى محافظات مصر فى الفترة الأخيرة، ولم تتوقف بالرغم من تكرارها بنفس الأساليب، ويقال إن سرقتها مغرية، لأن أرباحا كبيرة تأتى من ورائها لقيمة المادة النحاسية التى تحتوى عليها، والتى يتم بيعها من اللصوص بثمن أقل من قيمتها الحقيقية، ويتم صهرها لتدخل فى الصناعات النحاسية.
هذا النوع من الجرائم الجديدة والتى بدأت فى الانتشار مع التوسع فى إدخال الخدمات إلى قرى مصر، تزايدت معدلاته فى الفترات الأخيرة، وبقدر ما يتبع فيها اللصوص درجة بدائية فى الأسلوب، بقدر ما يجتهدون فى أساليب أخرى تحتوى على قدر من الإتقان والتفنن، وتخضع سرقة الكابلات إلى الجمع بين الأسلوبين، فيما يعنى أن الأساليب الأمنية المعتادة لم تعد تنفع، فهل يليق مثلا أن نرى الخفير بزيه وبندقيته التقليدية هو الحارس الآمن على مقاومة هذا النوع من السرقة، وهل فى مقدوره أن يواجه عصابات مسلحة ومنظمة ترتب نفسها على الخروج من جريمتها بأعظم المكاسب، أقول هذا الكلام والعينة عندنا فى محافظة القليوبية فادحة.
كان نصيب «القليوبية» من جريمة سرقة الكابلات كبيرا فى الشهور الماضية، وبلغت درجة التحدى للأجهزة المعنية حد أنه بعد قيام شركة الاتصالات بمداواة الأعطال بتركيب كابلات جديدة يتم سرقتها من جديد بعد أيام قليلة وبنفس الأسلوب، حدث هذا نحو خمس مرات فى شهور قليلة، والأفدح أن مركز طوخ وحده شهد سرقات كان الفاصل بينها وبين عملية إصلاح ما تم سرقته يوما واحدا، ومع تكرار ذلك دون الوصول إلى الجناة الحقيقيين، وجدت الشائعات مجالها الخصب، وأكثرها خطورة أن هناك من يتستر على هذه الجريمة، وأن الأجهزة المعنية سواء تعرف أو لا تعرف، لا تريد القبض على الجناة، أو فى تقدير آخر لا تبذل الجهد الكافى للقبض عليهم، ومن الشائعات التى تتردد على سبيل الفكاهة أن شركات المحمول لها مصلحة فى ذلك، لأن الناس تتجه إليه مع انقطاع حرارة التليفونات الأرضية، ومما يزيد من سخونة تلك الشائعات، أن الجريمة ليست من النوع الذى يستغرق وقتا بسيطا، فتنفيذها يحتاج إلى جهد ووقت، ونظرا لذلك فإن هناك وجاهة فى التماس العذر لمن يردد مثل هذا الكلام، الذى يصل فى درجة سخريته إلى التندر بأن حكومة نظيف التى تأمل أن تدخل خدمة الإنترنت كل بيت مصرى فى الريف وفى الحضر، عاجزة عن حراسة الكابلات التى تؤدى إلى هذه الخدمة، وعليها قبل الحديث عن البطاقات الذكية، وتعميق خدمة الإنترنت أن تحقق الأمن والأمان للخدمات التى تقدمها.
ورغم اعتقادى، واعتقاد آخرين معى بأن المسئولية العامة فى القضية تقع على السياسات العامة التى أفرزت البطالة، وأدت إلى الفروق الهائلة فى توزيع الدخل على المصريين بالدرجة التى نرى فيها قلة تكسب وأغلبية تجوع، إلا أن الصحيح أيضا ألا نتبنى مثل هذا الفهم بالدرجة التى يشتم معها اللصوص أن هناك تبريرا لجرائمهم، فالجريمة جريمة، واللص لص، وتحميل السياسات العامة كل شىء يعنى أنه يجب علينا أن نتحسب من المرحلة المقبلة التى سيتضاعف فيها حجم الأزمة الاقتصادية خشية أن يصل الأمر إلى قيام اللصوص بسرقة ملابسنا.
وإذا كنا نوجه اللوم والنقد فى ذلك إلى الجهات الأمنية، فالمسئولية تتحمل محافظة القليوبية جزءا منها، وشركة الاتصالات تتحمل جزءا أيضا، نصيب المحافظة فى المسئولية يأتى من أنها لم تضع الأجهزة الأمنية داخل المحافظة أمام مسئوليتها الحقيقية مع تكرار السرقة، ونصيب شركة الاتصالات فى أنها لم تبحث عن بدائل لطبيعة المادة التى تتكون منها الكابلات والتى تغرى اللصوص بالسرقة، وبينما هى تقصر فى ذلك، لا ترحم المستهلك فى تحصيل الفواتير التى أصبحت مفراداتها عبئا ثقيلا، وزيادتها أمرا معتادا.
القضية بكل جوانبها أعتبرها بلاغا أتقدم به إلى وزير الداخلية ومحافظ القليوبية ووزير الاتصالات، فالمال العام حرمة، الحفاظ عليه واجب مقدس وهو فى رقبة المسئولين الثلاثة.