منال العيسوى

فتيل "الداخلية" يوقع البهائيين فى شرك الردة

الثلاثاء، 21 أبريل 2009 07:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
شرك وتمييز وبهائيون وشيعة ومرتدون وأقلية.. مفردات ضخمة ومطاطة كدا و"جعجاعة" صح.. أكيد صح والحديث عنها يحتاج مجلدات لمن يتمتعون بملكة التوثيق والتدوين والتأريخ، وأنا عن نفسى دائماً ما كنت أفضل الابتعاد عن هذه المصطلحات الشائكة والمتداخلة لإيمانى أن المناطق الإنسانية ثرية والحديث عن المشاعر وتفاصيلها يجعلك تغوص داخل من يقرأك لتصبح جزءاً منه، دون أى مزايدات وحسابات إيديولوجية.

حقيقة لا أعرف سبب رغبتى المفاجأة والملحة فى أن أكتب عن البهائيين.. لكن ما أعرفه حقاً هو أن قرار وزير الداخلية الثلاثاء الماضى بتعديل اللائحة التنفيذية لقانون الأحوال المدنية، لتنظيم إصدار الوثائق الثبوتية كشهادات الميلاد وبطاقات الرقم القومى وغيرها، لأتباع الديانات التى لا تعترف بها الدولة رسمياً، أثار بعض التساؤلات بداخلى، والتى من المؤكد تطرقت إلى ذهن الكثير منا، مع اختلاف انتماءاتهم وأيديلوجياتهم، ووجدته لازماً على أن أشرككم معى فى هذه التساؤلات فى محاولة للإجابة عليها معاً.

هل بعد ما أسماه البهائيون والحقوقيون بالنضال من أجل الحرية والعدل والمساواة وحقوق المواطنة وحرية العقيدة، يعتبر قرار وزير الداخلية مكسباً لهم وللمجتمع أم العكس؟ وهل هذه الخطوة فعلياً للأمام أم للخلف؟ مع رصد مطالب الأقباط طوال خمسين عاماً مضت وتعارضها مع مطالب البهائيين، والوضع فى الحسبان إثر هذا القرار على الشارع المصرى ورد فعله المرتبط بالدين فى زمن القابض على دينه كالقابض على قطعة جمر، سواء إسلامى أو مسيحى، وتكرار سيناريو ما حدث للشيعة وعلاقتهم جميعاً بالسلطة، والموافقة بكتابة "بهائى" اليوم هل تفتح الباب مرة أخرى لأعمال العنف والصراعات الدينية بين البهائيين من جهة والإخوان المسلمين والشيعة والسنة والمواطن العادى من جهة مقابلة؟

بعيدا عن المضاربات الأيـديولوجية والسياسية والديانات السماوية الثلاث، سنجد قرار الداخلية ظاهره جنة وباطنه نار تلتهم البهائيين، القرار بدا للوهلة الأولى أنه يعترف ويوثق ضمنياً وجود البهائيين، واعتبره البعض انتصاراً لمعركتهم مع السلطة لإثبات وجودهم، والواقع يؤكد عكس ذلك، فلم يأتِ قرار وزير الداخلية من منطلق سعى السلطة للبحث عن نظام للتضامن والتعامل الحسن والحضارى مع البهائيين باعتبارهم أقليات تحترم رغبتهم، أو من قبل نظام يلبى متطلبات الأقليات الدينية والثقافية والتعليمية والاجتماعية أو حتى من منطلق المساواة فى الحقوق السياسية والمدنية.

وإنما جاء القرار أشبه بعبارة، "اترك له الحبل على الغارب حتى يستطيع شنق نفسه"، أو "يخبط رأسة فى الحيطة" وحفظاً لماء وجه الحكومة حتى تثبت للعالم أنها لا تنتهك الحريات وتطبق الديمقراطية وحرية الفكر والعقيدة مكفولة للجميع.
فالسيناريو مع الشيعة يعيد نفسه, رغم الاختلاف الجوهرى بين البهائية وادعائهم أنهم ديانة مستقلة رابعة توحد الديانات السماوية الثلاث، واختلاف مذهب الشيعة مع السنة لا ينفى أنها مذهب دينى يدور فى فلك الإسلام ولا يخرج عنه، من خلال الاعتراف الضمنى والمباشر للشيخ "شلتوت" شيخ الأزهر فى الستينات بأنه مذهب إسلامى يجوز التعبد به كسائر المذاهب الإسلامية الأخرى، والتقارب السنى الشيعى والتواصل بينهم وبين القوى الإسلامية، كل هذا لم يمنح الشيعة مكاسب ومنعوا من التعبير عن رأيهم ونشر أفكارهم وطرح رؤاهم المختلفة، سواء بالكتابة فى الصحف أو بتأسيس دور نشر، بالإضافة للحملات الإعلامية الدينية التى أبدعت فى تضيق الخناق حولهم، وإثارة الشكوك حول عقيدتهم، فتارة يوصفون بالكفر وتارة بالمروق عن الدين الإسلامى، وكان على الشيعة دفع الثمن. منذ الثمانينيات، وحتى الآن فتم إلقاء القبض على بعضهم تحت دعاوى مختلفة، تتراوح بين الحصول على تمويل أجنبى، وتحديداً من جهات إيرانية، والاتصال بجهات خارجية.

وظل التعامل الرسمى المصرى مع الشيعة على حالة من المنع والحجب وعدم الاعتراف بالحقوق، وظل حق التعبير لتلك الفئة ممنوعاً إعلامياً وتنظيمياً، ظلت الملاحقات الأمنية على حالها رغم أن التشيع لا يعتبر تهمة فى القانون المصرى.
هذا بالنسبة للشيعة فما بالك بالبهائية وأتباعها، فإذا كان الموقف الرسمى للقانون منحهم حق إضافة ديانتهم، فالموقف العام فى الجهات الحكومية سيضع لهم العراقيل التى تمنعهم من تطبيق ما أقره القانون، بالإضافة والأهم من ذلك موقفهم بين المواطنين مسلمين ومسيحيين، وهو ما ينبأ بأيام "سوداء" من تطبيق حد الردة والتمييز ضدهم وإباحة إراقة دمائهم، وما حدث فى الشوارنية كان البداية، باعتبار أنهم مرتدين على كلاهما وهو الأمر الذى سيفتح الباب على مصراعيه للصراعات الداخلية وأعمال العنف والفتنة الطائفية، فأعمال العنف التى ظهرت بغرض الانتقام من الحكومة خلال الأعوام الماضية بمصر وتوقيف الناس فى الطرق والمواصلات وجمع بطاقتهم وحوادث العنف ضد المسيحيين، هو ما فتح الباب للصراع الطائفى والتمييز، وجعل أحد أهم مطالب الأقباط
وجميع المنظمات القبطية فى المهجر وعلى رأسها منظمة "الأقباط متحدون" التى يرأسها المهندس عدلى أبادير، تطالب برفع خانة الديانة من البطاقات الشخصية واستمارات طلب الوظائف، حتى لا تستخدم الديانة كأساس للتمييز ضدهم، ومطالبتهم وسائل الإعلام الحكومية بالكف عن توجيه حملات الكراهية ضدهم
ونعتهم بالكفار مما يخلق جواً من التعصب يسهل أن تتزايد فيه أعمال العنف، وهى ديانة سماوية أساسية.

وهنا علينا التحدث بوضوح.. هذا حال الشيعة والمسيحيين! فكيف سيكون الحال مع البهائيين؟ بالتأكيد سيكون الأسوأ، ليس خوفاً عليهم ولا دفاعاً عنهم، لكن خوفاً على الشارع المصرى وإراقة الدماء وتخييم التعصب الدينى على المجتمع
فما زلنا ندفع من كرامة الوطن الثمن لكل الحملات المأجورة التى تشن ضد مصر وتتهمها بالاضطهاد الدينى للمسيحيين والفتنة الطائفية لهم وإهدار حقوقهم فالمسالة لا ينقصها البهائيون، أو على الأصح "المشرحة مش ناقصة قتلى".

أم أن الحكومة تراهن على رفض الشارع لهم؟ وليته سيتوقف عند الرفض بالكلام، أو تترك لهم فرصة البحث عن مؤسسات خارجية تسعى لتمويلهم ودعمهم ثم تتدخل الحكومة، وتقبض عليهم بتهمة تلقى تمويلات من جهات أجنبية، والزج بهم فى السجون لتعاود الكرة مرة أخرى، لتطفو على السطح موجة أخرى من التعصب والتطرف أكثر ضرر من سابقتها، بفتيل وزارى.
وفى النهاية لا يمكننا سوى القول بأن القضاء على التعصب والتطرف، لا يتم عبر محاربة الدين وأشكال التواصل معه، بل عبر مواجهة الظروف السياسية والاقتصادية، التى تعمق هذا التعصب، وتعمل على بناء واقع سياسى على قاعدة التمييز والتهميش لفئات اجتماعية واضطهاد الأقليات، فالأداء البعيد عن مقتضيات العدالة والمرونة والتسامح، هو المسئول عن كل حالات التعصب والتطرف بكل أشكاله ومستوياته.

والمساواة فى الحقوق السياسية والمدنية بحق دون أكلاشيهات رنانة، وقرارات متساهلة وغير مسئولة، يجعل كل المجموعات البشرية، تباشر دورها الإيجابى فى الحفاظ على أمن الوطن ومكتسباته السياسية والاقتصادية والحضارية، ولا تتأتى إلا بتحقيق المشروعية الدستورية والمؤسسية.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة