حمدى الحسينى

حوار مع صديقى "الملحد"!

الأربعاء، 22 أبريل 2009 10:42 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قبل أيام تلقيت اتصالا تليفونيا كان المتحدث على الطرف الآخر صديق عمره ضعف عمرى أو يزيد.. قابلته وهو يواجه انكسارا عائليا قبل حوالى عشر سنوات، هذا الصديق خبير عالمى فى تخصصه الكيميائى النادر، حيث كان تلميذا للعلامة المصرى مصطفى باشا مشرفة، علاوة على كل ذلك فهو ملياردير من الوزن الثقيل، نجح فى جمع ثروة ضخمة بعرقه وجهده وتنقله بين نصف بلاد الدنيا.. حقيقة سررت كثيرا بمكالمته وسعدت أكثر لرغبته فى رؤيتى.
خلال اللقاء تناقشنا فى قضايا عديدة من السياسة إلى الاقتصاد ومن الصحافة إلى الثقافة، حتى وصلنا إلى قضية الدين.. فجأة انخفض صوته، وخرجت كلماته بطيئة حزينة، اختلط فيها الإحساس بقرب النهاية والرغبة فى طلب المزيد من العمر.

فجأة سألنى عن رأيى فى الموت فقلت هو الحقيقة الثانية بعد الله فى هذا الوجود والنهاية المؤكدة لكل شئ.. عاد وسألنى هل أنت مقتنع بطريقة الدفن عند المصريين مسلمين ومسيحيين؟ لم أعلق ولم ينتظر هو كثيرا ثم استطرد قائلا: استدعيتك خصيصا لمعرفة رأيك فى وصيتى بأن أُدفن بطريقة "الحرق" بمعنى أننى لن أكلف أبنائى سوى عود ثقاب.
صدمتنى وصيته.. قبل أن أعلق أكمل سيناريو النهاية التى يرغبها وقال "سوف أكلف حلوانى بعمل تورتة ضخمة يلتف حولها أبنائى وأفراد أسرتى وأصدقائى وفى وسط كل هؤلاء يوضع جثمانى.. الجميع يتناولون التورته ثم يتحدث كل واحد عن علاقتى به ويقول رأيه فى بصراحة مطلقة.. بعد هذه الحفلة البسيطة يتجه الجميع إلى منطقة خلاء يتم فيها حرق الجثمان ثم يوضع التراب فى "كيس" يتم تعليقه بالقرب من صورة زيتية كبيرة أوشكت على الانتهاء منها.. بعدها يعود كل شخص إلى شأنه فى هدوء بلا أى ضجيج أو صراخ.

اندهشت من غرابة الوصية فهى المرة الأولى التى استمع فيها إلى وصية من هذه النوع مع أننى لا استغرب أفكار صديقى فهو لم يشعرنى منذ بداية صداقتنا باحترام أى عقيدة أو الإيمان بأى دين حتى العقيدة المدونة فى هويته والتى تدعو إلى "المحبة" لم يكن مؤمنا بها فى أى يوم بل كان دائم الازدراء منها السخرية من كل معتنق لها على أساس أنها نوعا من اللهو والاستغلال للبسطاء.

شعرت بانقباض من قسوة الوصية المخلوطة بالمعتقدات الهندية.. احتججت على هذه النهاية المأساوية وقلت له لماذا هذه الطريقة بالذات.. فكان تبريره أنه أولا لا يؤمن بالبعث والحساب وغيرها ولا بالأفكار التى تحدثت عنها الأديان السماوية، فهو يرغب فى أن يكون مفيدا حتى بعد رحيله عن الحياة بشكل نهائى.. وسألنى ما الفائدة أن يتحول جسد المتوفى إلى وجبة شهية للدود والبعوض، لماذا لا نحول مساحات المقابر إلى أرض خصبة صالحة للزراعة يستفيد منها الإنسان؟ صديقى طلب مساعدته فى تعميم الفكرة ونشرها بين المصريين مبررا نظريته بما وصل إليه متوسط تكاليف الدفن عند المسلمين والمسيحيين وتوفير تلك المساحات الشاسعة المخصصة للمقابر.. ورأى أنه فى حال تعميم وتطبيق فكرته سوف يستفيد الأحياء كثيرا بل ربما يتحول "رماد" جثث المتوفين إلى سماد لتخصيب التربة بدلا من تحولها إلى مرتع للحشرات والديدان!!
قبل أن أعبر عن استيائى من الفكرة.. قال معروف فى العالم أن كل الأفكار الكبيرة والقيمة اصطدمت فى بادئ الأمر بالأعراف والتقاليد الاجتماعية وأشهر هذه الأفكار نظرية كروية الأرض وفكرة الجاذبية ثم سرعان ما أصبحت من المسلمات.. وأكمل بالطبع أعرف أن فكرتى صادمة وصعبة لكنى قررت أن أكون أول من يطبقها وكلى ثقة بأن كثيرا من المصريين سيقتنعون بجدواها وربما يسارعون لتقليدى فى المستقبل فكل ما نحتاجه هو غرفة صغيرة فى مكان معزول لتصبح محرقة تتم بداخلها مراسم الوداع فى دقائق معدودة.
فهل المصريون مستعدون لقبول هذه النظرية الشيطانية التى تخالف الشرائع السماوية والتقاليد الموروثة أم سوف يتهمون صديقى بالجنون وينتقدونى بقسوة لأنى كتبت هذا الكلام وتحدثت عن هذا اللقاء.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة