أسوأ ما فى الحملة الإعلامية الشرسة على حزب الله اللبنانى وزعيمه هو هذه اللغة البائسة التى يستخدمها رؤساء تحرير «كبار» تولوا مناصبهم المرموقة من دون مجد!
يظن هؤلاء الصحفيون «الكبار» أنهم حين يصفون حسن نصر الله بـ «حسن بقو» أو حسن «زعبلة» أنهم بذلك يحقّرون من شأن الرجل ويفضحون «مخططاته»، ناسين أن هذه اللغة الفجة فى الوصف والسباب لا يليق بها أن تتصدر افتتاحيات الجرائد ومانشيتات الصحف، بل مكانها الطبيعى هى الأزقة الشعبية حيث تجرى هذه الأوصاف السوقية على ألسنة العامة الذى خاصمتهم الثقافة.
أكتب هذا الكلام مؤكداً أننى لست من أنصار حزب الله ولا زعيمه ، لأنى أرى أن خلط الدين بالسياسة أحد أهم أسباب تخلف أمتنا العربية، لأن الدين مهموم بقضايانا الروحية مع السماء، والحزب أى حزب حتى لو استعار اسم الله، ينبغى أن يكون مشغولاً بمشكلات الأرض!
لذا لا يمكن الجمع بينهما إلا إذا قررنا أن نخسر الاثنين - السماء والأرض -! وهكذا يصبح من الطبيعى ألا يؤيد المرء أى حزب أو جماعة ترفع راية دينية!
ومع ذلك يحتار الإنسان وهو يقرأ كلاماً مصاغا بلغة سخيفة تندد بحسن نصرالله من نوع «سماجة» السيد حسن وليس «سماحة»، لأن الذين يكتبون مثل هذه العبارات الفاحشة لا يعرفون من فنون الهجاء أو السخرية شيئاً. فالأدب العربى على مر التاريخ المعلوم يضج بالكثير من القصائد الشعرية التى تتكئ على فنون الهجاء والسخرية. أبدعها شعراء كبار بلغة بديعة تجرح وتفضح الشخص المهجو من دون ابتذال، كذلك تحتشد الصحف والمجلات المصرية بامتداد القرن العشرين، خاصة النصف الأول منه، بمقالات نقد حادة كتبها طه حسين والعقاد والمازنى وغيرهم، منددين فيها بخصومهم، لكنهم لم يستخدموا مفردات مثل «زعبلة» و«بقو»، بل كانوا ينتقون عباراتهم وكلماتهم بدقة تؤكد براعتهم فى اللغة العربية الفصحى على الرغم من قسوة نقدهم!
عظمة مصر
يحزن المرء كثيراً حين يرى هذا العدد الضخم من الصحفيين «الكبار» أصحاب المناصب المهمة وقد قرروا فجأة أن يكيلوا الشتائم لحزب - وليس لدولة كبرى - وأن يسبوا - بلغتهم البائسة - زعيم الحزب وليس زعيم دولة عظمى! غافلين أن حسن نصر الله وحزبه لا يستطيعون أن يهزوا دولة.. بحجم مصر مهما فعلوا، إلا إذا كان أصحابنا «إياهم» يظنون أن دولتنا العتيدة صارت ضئيلة الحجم والمكانة بحيث يمكن لفرد أو حزب أن يخلخل بناها!
أى مهانة بلغتها مصر ليدخل إعلامها الرسمى الحكومى فى مشادة خائبة مع حزب صغير فى بلد مساحته أصغر من عُشر مساحة مصر، وسكانه أقل من واحد على عشرين من سكان مصر!
نعم.. كلنا نحب لبنان.. ونقدر دوره المعرفى والثقافى المهم، لكن سيظل لبنان بالقياس إلى مصر بلداً صغيراً على كافة المستويات، وأحزابه مهما كبرت أو عظمت مجرد أحزاب صغيرة، لذا لا يليق أن ينزلق إعلامنا الرسمى إلى هذا المستوى المرفوض فى مهاجمة حزب الله وزعيمه.
حقاً.. لقد أخطأ حسن نصر الله مرتين الأولى: حين قام بتحريض الشعب والجيش ضد النظام، والثانية عندما أرسل أحد رجاله فى مهمة لمساعدة المقاومة الفلسطينية من دون تشاور وتنسيق مع المسئولين المصريين! هذا خطأ لا ريب، لكنه لا يستدعى كل هذا السباب المسف الذى ينهمر من بين أعمدة الصحف الرسمية منذ أكثر من عشرة أيام!
حيث بدا واضحاً أن هناك من أصدر أمراً لرؤساء التحرير «الكبار» بإطلاق رصاصات الكلام الفاحش فى صدر الحزب والرجل، فانصاعوا له فوراً. الأمر الذى يلغى مفهوم حرية الرأى، ويؤكد أنهم مجموعة من الكتبة ينفذون الأوامر، وليسوا أصحاب وجهات نظر يطرحونها بملء إرادتهم على الناس!
كما قلت فى هذا المكان - من قبل: من فضلكم لا تقزمّوا مصر، لأن مصر بلد كبير وعريق - ولمن يريد أن يعرف ماذا أقصد بمصر، سأقول له: إننى أدرك تماماً أن أحوال بلدنا الآن سيئة للغاية (راجع مقالى «إنهم يكرهون القاهرة» على هذا الموقع)، وأن الذين يحكموننا منذ أربعة عقود تقريباً خطفوا الجمهورية وسرقوا الدولة، ونهبوا أموال الناس، وتركوا لنا مدناً تعيسة.. مهترئة، وعاصمة حزينة تئن بأوجاع لا مثيل لها!
كل هذا معلوم ومعروف، ولكن البلدان العظيمة والدول الكبرى لا يقاس عمرها بعشرين أو أربعين سنة فقط، بل بتاريخها كله، ومصر من هذا المنظور تعد دولة كبرى على المستوى الإقليمى بامتياز بتاريخها وتراثها وآثارها ومبدعيها ومثقفيها وفنانيها وقادتها التاريخيين المحترمين، حتى لو كانت أحوالها شاحبة ومؤسفة فى السنوات الأخيرة، الأمر الذى يعنى ضرورة استعادة كرامتها المهدورة وهيبتها الغائبة من أولئك الصغار الذين يظنون أنهم بقدح وذم حسن نصر الله وحزبه إنما يخوضون حرباً مقدسة، ويهزمون عدواً لدوداً! حقاً.. الصغار لا يتعففون!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة