خالد صلاح

شباب الإخوان المسلمين قالوا خلال تحقيقات النيابة أنهم خرجوا على الجماعة لأنها لا تحقق أهدافها ولا تقاتل المحتل فى إسرائيل

الاعترافات الخطرة فى قضية حزب الله

الخميس، 23 أبريل 2009 10:54 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل هذا المناخ المسكون بالغضب والمفعم باللعنات على حزب الله لا يحتاج منى إلى كلمة جديدة أضيفها إلى رصيد التراشق بين القاهرة وحسن نصر الله، فالسيد حسن يدرك أن ما ابتغاه هنا على الأراضى المصرية لم يكن من حقه، سياسياً وأخلاقياً وعسكرياً، حتى وإن أخلص النية فى المعركة ضد قوى الاحتلال، وحتى إن أقسم على كلمة الله وقرآنه الأعظم أن سلاحه لم يكن يستهدف سلطة الدولة فى القاهرة، وأن بنادقه أرادت صدر العدو على الجانب الآخر من الحدود الشرقية، فمع كل التقدير لأى نوايا طيبة، ومع كل الاحترام لأى كيان مقاوم، يبقى فى النهاية أن أى عمل مسلح فى مصر هو قرار لا سلطان فيه إلا لشعب مصر فقط، لا لأى شعب آخر أو لحزب آخر أو دولة أخرى فى محيط الشرق الأوسط.

يقينى أن السيد حسن نفسه يتفادى الانجراف نحو المجادلة فى هذا المنطق، لاطمئنانه إلى حقيقة أن ما أقدم عليه كان مغامرة أخرى غير محسوبة بكل مستويات القياس السياسى أو الأمنى أو العسكرى، لكننى أقل انشغالا بمنطق نصر الله فى الحقيقة، وأكثر اهتماما بجانب آخر من زوايا النظر لهذه القضية، فأهداف نصر الله لا تعبر عن جوهر المشهد أو عقدة التطور الدرامى فى العلاقة بين القاهرة وحزب الله، وتفاصيل الإيقاع بالتنظيم وإفشال خططه العسكرية تتراجع عندى أمام قضية أخرى غابت تماما عن المتبارزين فى المعركة بين مصر والسيد حسن.

الجانب الغائب الذى أقصده هنا هو اعترافات هذا العدد من شباب الإخوان المسلمين المنشق عن الجماعة الذين انخرطوا فى تنظيم حزب الله وارتضوا أن يعملوا تحت قيادة (أمير للتنظيم) لا ينتمى إلى مصر ولا يحمل جنسيتها، ولا يربطه بها سوى تكليفات السيد حسن فقط، لا لشىء إلا أن هذا التنظيم حقق لهم حلما كبيرا فى مواجهة إسرائيل، وأنهم بحثوا عن هذا الحلم داخل جماعة الإخوان لكن الجماعة، حسب أقوالهم، كانت بعيدة عن هذه الغاية وأقل من أن تحقق هدف المواجهة الشاملة مع العدو الإسرائيلى، ومن ثم كان الأمل فى تنظيم حزب الله، ورغم الاختلافات المذهبية، والاختلافات الوطنية، وتباين الأولويات ارتضى هؤلاء أن يكون أميرهم رجلا من حزب الله، لم يفكروا هنا فى أجندة الحزب، أو فى طبيعة علاقته مع إيران، أو فى مصالح إيران فى هذا العمل، لقد فكروا فقط فى حلم مواجهة العدو، وفى غايات تحرير الأراضى الفلسطينية بالمقاومة والعمل المسلح!.

ما الذى يعنيه ذلك؟ وما هو البعد الغائب الذى أقصده فى هذه الاعترافات؟.
ما أعنيه هنا أن هذه الاعترافات تكشف عن فجوة حقيقية بين المشروع السياسى الذى تتبناه الدولة المصرية فى علاقتها مع إسرائيل وفى نظرتها لعملية السلام فى الشرق الأوسط، وبين المشروع الآخر الذى ينحاز إليه قطاعات ممتدة من الشباب فى مصر، والذى لا يرى أملا فى كرامة بلاده أو فى السلام على أرضها إلا باستمرار المعركة المسلحة حتى تحرير كامل التراب الفلسطينى، حتى وإن كانت مسئولية تحريك هذا العمل العسكرى تحت قيادة أخرى غير القيادة الشرعية للبلاد.

جهاز الدولة المصرية لم يدرك حتى اليوم أنه أخفق عبر ثلاثين عاما من عمر التسوية السلمية فى تسويق مشروعه السياسى ورؤيته للسلام على الصعيد الداخلى، الدولة سوقت نفسها جيدا فى الخارج كإدارة تؤمن بالسلام وتسعى إلى التسوية، لكنها فشلت فى القيام بالعمل نفسه بين الجماهير فى الداخل، بل وفشلت فى حماية إنجازاتها الاستراتيجية الناتجة عن اعتماد نهج السلام، وارتبكت أيضا فى ضبط ميزان ردود أفعالها تجاه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضى العربية.

هذه النخبة من الشباب هى أساس الأزمة فى القضية، وانخراط هذه المجموعة (إخوانية المنشأ) فى تنظيم بهذا المستوى هو مؤشر على تحولات خطرة قد تنشأ فى المستقبل للأسباب نفسها، هؤلاء الشباب كفروا ببلدهم، لأنه لا يحارب إسرائيل، وكفروا بجماعة الإخوان الأكثر تشددا من الدولة المصرية، لأنها فشلت أيضاً فى مقاومة إسرائيل، ولم يكن أمامهم سوى حزب الله ومن ورائه الدولة الإيرانية لتحقيق هذه الغاية، ولا يمكن هنا أن نطالبهم بإدراك الغايات الحقيقية لإيران فى هذا العمل، أو الأهداف الواقعية لحزب الله فى هذا الاختراق.

هؤلاء الشباب ضحايا خطط التسويق الفاشلة للسلطة، وضحايا أيضا للمواقف السياسية والدبلوماسية الرمادية التى تتخذها هذه السلطة أحيانا فى اللحظات الحرجة فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، أو الإسرائيلى اللبنانى، فالكرامة الضائعة دائما تحت عجلات الدبابات الإسرائيلية، والأداء السياسى المتردد وفاقد الصلابة تجاه جموح تل أبيب يمهد الأرض لنشأة تيارات أصولية أكثر تشددا فى علاقتها بالدولة، أو علاقتها بالقيم الوطنية، أو فى انحيازها للعمل المسلح فى الداخل، أو فى الخارج بأى شكل وتحت أى قيادة، سواء كانت مصرية أو لبنانية أو إيرانية أو من أى جنسية أخرى.

هنا بالتحديد أصل الخلل، وهنا تستقر قمة الحالة الدرامية فى هذا التنظيم، الدولة المصرية تسبح فى فلكها الخاص، وبرؤيتها الخاصة، لكن الناس، أو لنقل قطاعات كبيرة من الناس، لها أيضاً فلكها الخاص وأولوياتها الخاصة ورؤيتها فيما يتعلق بقيم أساسية كالكرامة والمقاومة والسلام والاستسلام والمجد والخنوع وغايات التسوية، وهناك من ينجح اليوم فى تقديم نفسه كبديل لاستعادة الكرامة أمام الخنوع، وانتزاع السلام بالقوة لا بالتراجع والتخاذل، هناك من نجح فى ذلك، لكن الدولة المصرية لم تنجح بعد.

من زاويتى الشخصية لا أخفى مطلقا انحيازى لاستراتيجيات السلام التى تعتمدها الدولة، هذا اختيارى وإيمانى بكامل حريتى من الأساس، لكن من وجهة نظرى أيضاً أن الإيمان بهذه الاستراتيجية يزداد تراجعاً فى المجتمع لأسباب مختلفة، أهمها على الإطلاق أن مصر لم تستطع تحديد الخطوط الفاصلة بين علاقتها بإسرائيل وبين علاقتها بجماعات المقاومة، ومصر لم تنجح أيضا فى ضبط حركتها على هذا الحبل المشدود بين حاجتها للسلام كخيار وطنى مصرى، وبين تصديها للمشروع الإسرائيلى على المستوى الإقليمى، ومصر أيضا لم تنجح فى تسويق موقفها شعبيا فيما يتعلق بدعم الحقوق الفلسطينية، ومصر لم تنجح كذلك فى تفسير لماذا تقف على خط الخصومة مع إيران، فيما تقف على خط التفاوض مع إسرائيل.
قد تتفهم قطاعات النخبة المؤيدة للتسوية بعض المواقف المصرية دون الحاجة إلى متحدث رسمى لإلقاء بيان شارح، لكن الشارع المصرى لا يزال بعيدا عن هذه الأجواء، ولا يسمع سوى عن الملاحقات الأمنية لعناصر المقاومة، والتراشق المستمر مع جماعات المقاومة، والشتائم المتبادلة مع الأحزاب المناهضة لإسرائيل ، ولا يسمع فى الوقت نفسه سوى الأحضان والقبلات والاستعداد الدائم للتفاوض مع إسرائيل.

مصر عليها أن تفتح أحضانها للمقاومة أيضا بالاحتواء والاستيعاب وبفهم كامل، كما تفتح أحضانها لإسرائيل بحميمية كاملة، والدولة عليها أن تبذل جهداً فى تقديم نفسها لشعبها فى الداخل، كما تقدم نفسها لشعوب العالم الآخر على الدوام، ومصر عليها أن تضبط سياستها على هذا الخط الحرج بين التزامها بالسلام، وبين قدرتها على منافسة إسرائيل إقليميا، والتصدى لمشروعات تل أبيب العدوانية على الصعيد العربى، لا أريد لأحد هنا أن يحارب من جديد، أو أن يبايع نصر الله، ولكننى أريد أن نبرهن على قدرتنا على استعادة الكرامة والشموخ ورفع الرأس إلى أعلى بالسلام كما بالحرب، بالتسوية كما بالسلاح، والدولة أخفقت فى ذلك، وعليها أن تدرك أثر هذا الإخفاق على الملايين من مواطنيها، وإن لم تبادر الدولة إلى استدراك هذا الخطأ سنفقد المزيد من الشباب فى تنظيمات أجنبية، وقد تضبط السلطة تنظيما مرة، وتفشل فى ضبط تنظيمات أخرى مرات.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة