لا يستطيع أحد – أى أحد – أن ينكر أطماع إيران التوسعية (سواء المذهبية أو اقتطاع الأرض) منذ اقتطاع إيران لإقليم الأهواز من أرض العراق وتحويله إلى ثلاث محافظات إيرانية وهى محافظات خوزستان وهرمزگان وبوشهر ثم الجزر العربية الثلاث وهى الجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التى احتلتها إيران عام 1971 التى جسد احتلالها أطماع إيران وتحركاتها السياسية والعسكرية فى المنطقة العربية وبالذات الخليج العربى، وتنبع الأهمية الاستراتيجية لتلك الجزر، كونها تقع فى منطقة يتواجد بها ثلثا نفط العالم, كما أنه من الممكن نصب أجهزة التجسس على دول الجوار من خلالها, كما أن دول الخليج العربى بما فيها العراق، يأتيها معظم وارداتها من خلال تلك المياه المحيطة بتلك الجزر، وهذا يعنى أنه فى حالات الحرب، أو إبراز سوء النوايا، فإن الصادر والوارد من تلك المنطقة سيكون تحت خطر من يتحكم بتلك الجزر فإيران تقترب من كونها المسيطر على كل شحنات النقل فى الخليج العربى. ومن مواقع مدافعها الساحلية الجديدة المنصوبة فى جزر أبو موسى وفى طنب الكبرى يقوم الإيرانيون بمراقبة لاسلكية على بواخر الشحن المارة بالمنطقة، فالمنطقة من فرط رخاوتها السياسية تحولت إلى قبلةٍ لكل القوى الكبرى والإقليمية، وأصبحت حقل تجارب سياسية تتدرب فيها القوى الصاعدة فضلاً عن تصارع القوى العظمى عليها منذ ما يزيد على مائتى عام, ونظراً لغياب الدور العربى الفاعل فيها (الذى كانت تلعبه مصر), تقدمت قوى إقليمية من دول الجوار لملء الفراغ الجيوسياسى فيها، فكانت إيران هى الدولة الإقليمية الأولى السبّاقة فى المنطقة ثم تلتها تركيا, لكن كلا من الدولتين تعرف تماما أن غياب الدور المصرى الفاعل فى المنطقة هو غياب مؤقت ومرهون بعدة ظروف يمكن أن تتغير فيعود للدور الإقليمى المصرى لعنفوانه مرة أخرى, إن اجتياح أمريكا للمنطقة مطلع هذا القرن وإسقاط نظام صدام حسين، وهزال الدور المصرى وانكفاء الدور السعودى، إن ذلك كله مهَّد السبيل لتقدم النفوذ الإيرانى فى العراق ولبنان وسوريا وفلسطين، فأصبح المحور الإيرانى فيها بالغ التأثير لاسيما فى المسائل اللبنانية والفلسطينية والعراقية, وانحاز لهذا المحور النظام السورى لأسباب لبنانية أولا وفلسطينية ثانيا، وأصبح بذلك يمثل الند الأقوى فى مواجهة القوة الإقليمية الأولى فى المنطقة وهى إسرائيل, وتحول الصراع بالتالى على الإقليم من صراع عربى إسرائيلى إلى صراع إيرانى إسرائيلى، وأصبحت إيران (فى الظاهر على الأقل) هى العدو الأول لإسرائيل، كما أصبحت إسرائيل (أيضا فى الظاهر على الأقل) هى العدو الأول لإيران، لذلك كان الدور الأساسى لحزب الله هو أن يكون رأس الحربة وأداة لتنفيذ الاستراتيجية الإيرانية لفشل إيران فى استقطاب أى نظام عربى (باستبعاد سوريا بالطبع) لخدمة الاستراتيجية الإيرانية فى المنطقة، وربما يكون هناك قلق مصرى على دور مصر فى المنطقة، وقد وجدت فى اكتشاف هذه الخلية فرصة لتوجيه رسالة إلى إيران والولايات المتحدة بأن الحوار بينهما لا يمكن أن يتم بمعزل عن الدور المصرى فى المنطقة وأن أى تفاهم أمريكى أو إسرائيلى مستقبلى مع إيران سيكون على حساب الأدوار المصرية, فإذا كانت هناك شواهد على أن هناك جزءا من مضمون الحوار مع الولايات المتحدة يقضى بأن يعترف بدور إيران فى المنطقة فإن هناك أيضا شواهد على أنه لا يمكن استبعاد الدور المصرى أيضا، كما أن مصر قد تلقت رسالة إيران عبر التنظيم الإرهابى التابع لحزب الله الذى تم القبض عليه فى مصر ملتحفا بالشال الفلسطينى لتأكيد الدور الإيرانى حتى داخل مصر نفسها فإن الرد المصرى سوف يكون رسالة أيضا لإيران، وبالطبع فإن الوقائع المنسوبة لحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله, والشيخ نعيم قاسم نائب رئيس الحزب, والقيادى محمد قبلان لإبلاغ الإنتربول الدولى, وإبلاغ السلطات القضائية اللبنانية سوف تكون مجرد افتتاحية الرسالة المصرية لإيران، وبالتالى سوف تستكمل السلطات المصرية التحقيقات مع المتهمين نمر فهمى, وناصر خليل أبو عمرة, بتهمة الانضمام إلى جماعة محظورة، وأن المتهم الأول فى القضية سامى شهاب اللبنانى الجنسية كان قد سبق اعتقاله مرتين من قبل أجهزة الأمن المصرية للاشتباه فيه, وأن شهاب واسمه الحقيقى محمد يوسف منصور, كان قد تمكن من خداع أجهزة الأمن كونه من سنة لبنان, لكن القبض أخيرا عليه واعتراف حسن نصرالله بتبعية هذا التنظيم لحزب الله ليس اعتذارا بل كان إعلانا عن وصول الرسالة للنظام المصرى بأنه ومعه الأمن القومى لمصر ليس بعيدا عن قبضة الاستراتيجية الإيرانية، وقد سجلت الأيام الأخيرة اصطفافا فلسطينيا فتحاويا حيث فتح هى الجسد الفلسطينى الحقيقى المقاتل إلى جانب الحكومة المصرية وهو اصطفاف لا يفاجأ أحدا فى خطوة هامة لتأكيد عمق الدور المصرى فلسطينيا فقد أعلنت كتائب «شهداء الأقصى» الجناح العسكرى لحركة التحرير الوطنى الفلسطينى "فتح" قطع العلاقات التى تربطها بجماعة حزب الله اللبنانى, مشددة على أن هذا القرار "لا عودة فيه", مشيرة إلى أن هذا القرار يأتى تضامنا مع مصر, حيث قالت الجماعة المسلحة فى رسالة وجهتها إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس, زعيم حركة فتح أن "هذا القرار جاء بعد الاستناد للقناعات الحركية الفتحاوية ومن بعدها القناعات الوطنية الفلسطينية", مضيفة أنها "لن تكون أداة فلسطينية فى يد غير فلسطينية, تعبث بالمصلحة الفلسطينية العليا وعلاقاتها العربية", وأضافت الرسالة: أن "ما حدث من عبث واختراق للأمن القومى المصرى من قبل حزب الله والذى بدوره طلب منا موقفاً معلناً ضد ما تتخذه مصر من إجراءات ضده, فرجحنا بذلك المصلحة الفلسطينية البعيدة عن أى تأثير خارجى والعلاقات الفلسطينية, وتحديدا العلاقة مع مصر الشقيقة باعتبارها بوابة القضية الفلسطينية العادلة, فرفضنا اتخاذ أى موقف", وقالت كتائب الأقصى: "إننا كنا ولا نزال جزءا أصيلا من حركة التحرير الوطنى الفلسطينى التى رفضت, وما زالت ترفض, كل الاستقطابات الخارجية التى لا تعنى بالمصلحة الوطنية العليا" وبالتالى فإن فض التحالف بين حزب الله وأكبر فصيل فلسطينى يعتب هو الجسد المقاتل الحقيقى فى الدفاع عن فلسطين, فض هذا التحالف سوف يبقى حزب الله مجرد خلية إيرانية فى لبنان ناهيك عن أن وجوده ككيان يتوقف كثيرا على الدور السورى فى لبنان أولا ودور سوريا فى تحالفها مع إيران، ومن المؤكد أن الرئة السورية التى يتنفس بها حزب الله فى تبعيته لإيران سوف يتأثر كثيرا بالحوار الأمريكى الإيرانى الذى سوف يكون مجالا خصبا للمساومات, وسوف يجد حزب الله نفسه أخيرا عاجزا حتى عن مجرد التأثير فى لبنان، وربما يبحث له عمن يعوله بعد أن ترفع سوريا يدها عنه لينقطع عنه الحبل السرى الذى يربطه بإيران ليبقى دوره مذهبيا فقط تابعا لإيران, وكل هذا سوف يبقى مرهونا بالحوار الأمريكى الإيرانى القادم لا محالة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة