لست من الذين يعتقدون أن زيارة أوباما إلى مصر فى مطلع الشهر القادم، ستؤدى إلى حل منصف للقضية الفلسطينية، تلك القضية التى ضعضعت حال العرب منذ عقود، والتى نخسرها بانتظام من قرن إلى آخر!
لماذا؟
لأن التاريخ يعلمنا أن الأمم الضعيفة معرضة دوماً للنهب والاحتلال، وأنه ما من دولة نالت حقوقها وهى مغلولة بأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية يائسة. وأظن أن الدول العربية التى تحيط بإسرائيل لا تمتلك الحدود الدنيا من القوة التى تجعلها تتمكن من رد الصاع صاعين لعدوان الدولة العبرية المستمر على أهلنا فى فلسطين!
حسناً.. فلماذا إذاً يأتى أوباما إلى مصر؟
فى ظنى أن الرئيس الأمريكى ينوى أن يمارس أكبر ضغط ممكن على أصدقائه من حكام المنطقة حتى يتم تصفية القضية الفلسطينية على هوى قادة إسرائيل، خاصة أن الصراع الفلسطينى /الفلسطينى بين الفصائل على كعكة السلطة المعطوبة بلغ مستوى غير مسبوق. الأمر الذى ييسر على إسرائيل أن تفرض ما تريد من حلول تخدم مصالحها وأهدافها واستراتيجيتها!
أما لماذا اختار أقوى رجل فى الكوكب القاهرة ليوجه من خلالها رسالة إلى العالم العربى والإسلامى، فذلك لأن مصر بتاريخها وحاضرتها وثقلها - وليس بحكامها الحاليين - أهم وأكبر دولة عربية من حيث الكثافة السكانية والنفوذ الوجدانى على مجمل شعوب المنطقة، كما أنها الجار الأهم والأخطر - إذا امتلك قادتها الإرادة والعزيمة - على وجود الكيان الصهيونى ومصيره، فضلاً عن أن غزة أو فلسطين المحتلة ملاصقة لها! كما لا تنس أن مصر السادات هى أول دولة عربية عقدت اتفاقات «سلام» مع إسرائيل وحافظت عليه بالرغم من الاستفزازات الإسرائيلية المتوالية! من هنا تأتى أهمية زيارة أوباما الذى سيحاول من خلالها إزالة بعض البقع من الوجه القبيح لسلفه بالكلام المعسول، من دون أن يتنازل عن مصالح القوة الكبرى وأهدافها وأطماعها فى خيرات المنطقة وأولها البترول.
لذا، يمكن القول أن الرجل الأسمر الذى يجلس فى البيض الأبيض سيسعى إلى طمأنة الجميع بأن أمريكا تقف إلى جوارهم، فى الوقت الذى يرتب فيه الأوضاع لتصفية بؤر «الإرهاب» كما يسمونها وهى منظمات حزب الله وحماس وترويض الدول المارقة (إيران وسوريا). وأظن أن النظام فى هاتين الدولتين تحديداً ليس لديه مانع فى عقد صفقات مع الأمريكان وإسرائيل من أجل الحفاظ على بقائه واستمراره؛ لأنه فى الأخير نظام استبدادى لا يعترف بحقوق الشعب سواء فى دمشق أو طهران.
نأتى إلى مصر الرسمية التى نخر فيها الفساد بصورة ليس لها مثيل، وفقاً لتقرير الشفافية الذى أصدره مؤخراً المجلس القومى لحقوق الإنسان! يقول التقرير إن مصر فى عام 2006 كان ترتيبها الستين على مستوى دول العالم من حيث استشراء الفساد! أما فى عام 2008 فقد قفز الرقم إلى 107! أى أن سرطان الفساد ينمو فى جسد النظام المصرى بصورة مخيفة وبمعدلات سريعة!
ومع ذلك لا يسعى من بيدهم الأمر لوضع حلول للمشكلات المتفاقمة التى جعلت الشعب المصرى يعيش فى اكتئاب دائم ولن يحاولوا! لأن كل هم النظام الآن هو تمرير توريث السلطة للسيد جمال مبارك ابن الرئيس؛ من دون خسائر اجتماعية كثيرة! لذا يسعى النظام إلى إرضاء أصحاب النفوذ العالمى بكل الوسائل وتحديداً أمريكا وإسرائيل، حتى يشجعوا ويعضدوا ويباركوا انتقال السلطة من الأب إلى الابن، بعد اعتراضات غير علنية من الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش.
باختصار أوباما قادم إلى القاهرة ليضع لمساته الأخيرة فى سيناريو ضبط ثوب القضية الفلسطينية على مقاس نتانياهو وليبرمان وحزبهما بالتعاون مع النظم الصديقة له فى المنطقة. كما يؤكد أوباما بحضوره إلى بلد النيل أنه على استعداد لوضع بصمته على سيناريو التوريث الذى أصبح ملحاً مع تجاوز الرئيس مبارك عامه الواحد والثمانين قبل أيام!
هذه هى أحلام وآمال أوباما وإدارته الأمريكية وإسرائيل بكافة أحزابها، والنظام المصرى بأجنحته المتعددة! ولكن.. هل ستقبل شعوب المنطقة بهذه المخططات المشبوهة وتنصاع لها؟ ذلك هو السؤال!