خالد صلاح

تعقيب قانونى من المستشار أحمد مكى نائب رئيس محكمة النقض على مقال العدد الماضى بعنوان (تقارير النقض غير صالحة للاستهلاك البرلمانى)

مجلس الشعب «عبدالمأمور» وليس «سيد قراره»

الخميس، 14 مايو 2009 10:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين كتبت هنا العدد الماضى منتقداً موقف مجلس الشعب من تقارير محكمة النقض القاضية بعدم صحة عضوية عدد كبير من نواب البرلمان، كنت أستند إلى المنطق وحده دون غيره من حجج قانونية ودستورية، وكنت أنحاز إلى قراءة موضوعية، من وجهة نظرى على الأقل، ترى أنه لا ضرورة لتعطيل محكمة النقض بنظر كل هذه الطعون الانتخابية طالما أن المجلس لا يأخذ بهذه الآراء، ولا يعتمد على هذه الأحكام القانونية فى معاملته لأعضائه.

فالنائب الذى يحظى بنعيم حماية الأغلبية البرلمانية فى المجلس يظل دائما فوق القانون، وفوق قرارات محكمة النقض، وفوق الطعون طالما كان المجلس هو (سيد قراره) حسب هذا التوصيف البرلمانى الشهير، ما الذى يدفعنا إذن إلى تحميل أعباء إضافية على قضاة النقض، طالما أن المجلس لا يحترم الكلمة الأخيرة لهذه المحكمة التى تقع على رأس النظام القضائى فى البلاد؟

كنت فقط أنحاز إلى المنطق مع اطمئنانى إلى أن النص الدستورى الذى يمنح مجلس الشعب هذه السلطة فوق محكمة النقض هو نص يجافى الضمير البشرى والتشريعى، ولا يؤدى إلا لتفضيل الهوى على العدل داخل مجلس الشعب.

وما أن ظهر عدد «اليوم السابع» فى الأسواق حتى فوجئت بمكالمة هاتفية من قامة قانونية شامخة هو السيد المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض وأحد الرموز الوطنية البارزة فى تيار الاستقلال داخل نادى القضاة، أيد خلالها ما ذهبت إليه من الناحية المنطقية، وفاجأنى بدراسة قانونية مطولة كان قد أعدها قبل عدة سنوات تضمنت تشريحا قانونيا ومنطقيا ووطنيا لهذه الوضعية المعيبة التى يتعامل بها مجلس الشعب مع تقارير محكمة النقض، ولهذه النصوص الشاذة التى تعطى للمجلس سلطة فى رفض أو قبول تقارير محكمة النقض.

هذه الدراسة مدهشة بكل تأكيد، وبالغة الأهمية بلا جدال إذ إنها صادرة عن رجل تدرج فى كل المواقع القضائية والقانونية حتى استقر على قمة الهرم القضائى المصرى نائبا لرئيس محكمة النقض، إنه الموقع الذى لا يمكن الجدال على نزاهته، والمكانة والخبرة التى لا يمكن الصمود أمام حججها ومنطقها وخبرتها القانونية. هذه الدراسة تطيح بالمنطق التشريعى الأعوج الذى يقودنا إلى بقاء مزورى الانتخابات على مقاعدهم فى مجلس الشعب، والتى تؤدى إلى سيطرة محترفى تسويد البطاقات واللعب فى كشوف الاقتراع على الحياة النيابية فى مصر.

واسمح لى أن نقرأ سوياً هذا النص القانونى والمنطقى والواقعى الفريد الذى أرسله لى المستشار أحمد مكى، إنه النص الذى أرجو أن يقع بين يدى الدكتور أحمد فتحى سرور رئيس مجلس الشعب، ويقع أيضا بين أيدى فقهاء الدستور والتشريع فى مجلس الشعب ليقولوا جميعا كلمتهم أمام الله ثم أمام الناس.
إليكم هذا النص:
منذ 13/6/1989 بدأ مجلس الشعب يروج مقولة حاصلها «أنه وحده هو المختص بالفصل فى الطعون الانتخابية، فهو غير ملزم بتنفيذ أحكام المحكمة الإدارية العليا، كما أن دور محكمة النقض طبقا لنص المادة 93 من الدستور يقتصر على مجرد التحقيق وإبداء الرأى، أما القول الفصل فهو لمجلس الشعب» لأن المادة 93 من الدستور - فى نظر مجلس الشعب - قد جعلته سيد قراره، وهو رأى تعافه الفطرة السليمة حتى لو أصر المجلس وألحت أجهزة الإعلام الحكومية - ذلك أنه يخالف المعقول والذوق السليم، كما يخالف كل مبادئ الدستور والقانون ويستغل ما فى هذا النص المعيب من غموض، وهو ما سنفصله فيما يلى:

تنص المادة 93 من الدستور على أنه: «يختص المجلس بالفصل فى صحة عضوية أعضائه، وتختص محكمة النقض بالتحقيق فى صحة الطعون المقدمة بعد إحالتها إليها من رئيسه، ويجب إحالة الطعن إلى محكمة النقض خلال خمسة عشر يوما من تاريخ علم المجلس به، ويجب الانتهاء من التحقيق خلال تسعين يوما من تاريخ إحالته إلى محكمة النقض.

وتعرض نتيجة التحقيق والرأى الذى انتهت إليه المحكمة على المجلس للفصل فى صحة الطعن خلال ستين يوما من تاريخ عرض نتيجة التحقيق على المجلس.
ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس.
ويتضمن نص المادة 93 حكمين مستقلين، يجب التنبيه إلى عدم الخلط بينهما..

أولهما: اختصاص المجلس بالفصل فى صحة عضوية أعضائه.. أما الثانى: فهو تنظيم الجهة المختصة بالطعن الانتخابى وإبداء الرأى فيه وبعض المواعيد المتصلة بذلك، وهما موضوعان مختلفان.. فالأول يخص صلة المجلس ذاته بأعضائه، والتزام المجلس بمراقبة صحة تشكيله، فلا يشترك فى عمل البرلمان إلا أعضاؤه الذين يراهم المجلس ذاته صالحين، فطرفا العلاقة هنا هما المجلس.. والعضو، وأما الطعن الانتخابى فأمر آخر، لأن طرفى العلاقة فيه هما الطاعن - الذى لا صلة بمجلس الشعب به - والنائب، وهى منازعة تدور رحاها بين طرفيها حول سلامة تطبيق القانون أثناء فترة سابقة على اعتبار المطعون ضده عضوا بالمجلس.. وهى منازعة تستوجب تحقيق الوقائع وتطبيق القانون عليها، وهذا صميم اختصاص السلطة القضائية.. فهى منازعة قضائية بغير خلاف.

نص المادة 93 اختص محكمة النقض بالتحقيق، ثم أوجب عليها أن «تعرض نتيجة التحقيق، والرأى الذى انتهت إليه المحكمة على المجلس للفصل فى صحة الطعن خلال ستين يوما من تاريخ عرض نتيجة التحقيق على المجلس» فما يصدر عن محكمة النقض - فى نظرهم؟ هو مجرد رأى غير ملزم.. ولو شاء النص أن يجعل رأى المحكمة ملزما، لأطلق عليه وصف الحكم لا الرأى.. وما عهد إلى المجلس بأن يفصل فى شىء خلال ستين يوما من تاريخ عرض نتيجة التحقيق لأنه إذا كان رأى المحكمة ملزما فليس هناك شىء يفصل فيه المجالس، وهذه الحجج داحضة للأسباب الآتية:

1 - الحكم بإجماع الآراء - وحسب قضاء محكمة النقض - هو قول المحكمة الفاصل فى خصومة مطروحة عليها.. سواء ورد هذا القول فى المنطوق.. أو حتى جاء فى الأسباب فالعبرة دائما هى بالمقاصد والمعانى لا بالألفاظ والمبانى.. وقد يطلق على قول المحكمة الفاصل فى النزاع اصطلاح حكم.. أو قرار أو أمر أو لا يطلق عليه أى اصطلاح متى ورد فى الأسباب.. ومع ذلك يكون حكما كلما تضمن فصلاً فى خصومة.. وقد يطلق على بعض الإجراءات مصطلح حكم، فى حين أنه من المتفق عليه أنها ليست كذلك.. مثل حكم مرسى المزاد فهو فى حقيقته عقد، أو الحكم بإلحاق عقد صلح بمحضر الجلسة، فهو فى حقيقته عملية توثيق.. فإذا كان نص المادة 93 قد قال: «تختص محكمة النقض بالتحقيق فى صحة القول «بأن الأمر قد انتهى إلى أن أخذ الدستور بعودة هذا الاختصاص إلى المحاكم، على ألا يكون ذلك بقانون يجوز أن ينسخ بقانون آخر، بل يجعله قاعدة فى صلب الدستور».

فلما ألغى دستور 1930 وعاد العمل بدستور 1923 عاود نواب مصر المحترمون جهادهم ليسند الفصل فى الطعون الانتخابية إلى المحاكم وكانت الحكومة فى كل تعترض، لأنها كانت هى صاحبة القرار الفعلى لا البرلمان.. حتى أن الحكومة قد توصلت إلى استصدار قرار بصحة عضوية عدد من الشيوخ سنة 1941، ثم استصدرت قراراً من المجلس بإبطال عضويتهم سنة 1942، ثم عادت إلى استصدار قرار بصحة عضويتهم من المجلس ذاته سنة 1944، ثم عادت إلى استصدار قرار ببطلان عضويتهم هم أنفسهم سنة 1951، ولقد تكرر مثل هذا فى مجلس النواب، وأخيرا أفلح المجلسان فى إقرار القانون 141 لسنة 1951 الذى أسند إلى محكمة النقض مهمة الفصل فى الطعون الانتخابية ووافقوا على القانون بالإجماع ونداء بالاسم، ولقد تضمن محضر الجلسة 39 لمجلس النواب المعقودة بتاريخ 13 أغسطس سنة 1951 مناقشاتهم، حين تنافسوا فى إعلان موقفهم، لأن هذا هو الذى حمى استقلال البرلمان بمجلسيه من تدخل الحكومة، ويصون شرف النواب وشرف مصر التى يحبونها ثم قامت ثورة يوليو سنة 1952، وحشدت خيرة رجال القانون والسياسة لإعداد دستور يحقق آمال الأمة.. فأعدوا مشروع دستور سنة 1954، ونصت المادة 70 منه على أنه «لا يجوز إبطال انتخاب أو تعيين أحد أعضاء البرلمان أو إسقاط عضويته إلا بحكم من المحكمة العليا الدستورية» من كل ما سلف يتبين أن مصر حسمت أمرها واتفقت كلمتها على أن الطعون الانتخابية ليست إلا منازعات قضائية يجب أن تختص بها المحاكم دون سواها.. وأن إسناد الفصل فيها إلى المجالس النيابية من شأنه أن يعصف باستقلال هذه المجالس قبل أن يعصف بالعدالة.

كان مجلس النواب سيد قراره بحق، حين أسند إلى محكمة النقض بالإجماع.. ونداء بالاسم.. مهمة الفصل فى الطعون الانتخابية ثم قامت ثورة يوليو 1952 تعلن أن من مبادئها إقامة حياة ديمقراطية سليمة وتملأ شوارع مصر بصور جندى يحمل سلاحه.. كتب عليها نحن نحمى الدستور.. وبتاريخ 9/12/1952 أصدر رئيس مجلس قيادة الثورة بيانا ينتقد فيه دستور 1923 ويقول ما نصه «إن السلطة التنفيذية فى ظل هذا الدستور لم تكن مسئولة أمام البرلمان، بل كان البرلمان فى مختلف العهود، هو الخاضع لتلك السلطة، التى كانت بدورها تخضع لملك غير مسئول يتخذ من الدستور مطية لأهوائه، ويجد فيه من الثغرات ما يمكنه من ذلك.. ولا مناص من أن نستبدل بذلك الدستور دستورا آخر جديدا يمكن للأمة أن تصل إلى أهدافها حتى تكون بحق مصدر السلطات»، وتحشد مصر خمسين من خيرة العقول لإعداد دستور يحقق آمال الأمة.. ورأى هؤلاء أن أمل مصر رهن بإقامة نظام برلمانى تتعزز من خلاله سلطة الأمة بواسطة مجالسها النيابية.. فلا يغتال إرادتها ملك ولا رئيس، وحماية للبرلمان لم يكتفوا بأن يسند إلى القضاء مهمة الفصل فى الطعون الانتخابية، بل بسطوا الحماية القضائية فجعلوها تمتد إلى الفصل فى أى قرار تعيين يصدره رئيس البرلمان.. لأن الحماية القضائية هى الضمان الأكيد لسلامة تكوين المجلس النيابى، وهى الحصانة الحقيقية لأعضائه فى مواجهة تغول السلطة التنفيذية.. والمجلس النيابى هو قطب الرحى.. وحجر الزاوية فى النظام البرلمانى والسبيل الوحيد لجعل الأمة مصدرا للسلطات.

لكن الممسكين بزمام السلطة التنفيذية نكثوا بعهودهم، فالشعب فى نظرهم لم يستكمل نضجه، والرئاسة الملهمة ستسقيه الديمقراطية جرعة بعد جرعة، فكان دستور 1956 الذى قالوا عنه إنه يستلهم النظام الرئاسى.. ولم يشأ واضعو الدستور أن يخالفوا إجماع الأمة على اختصاص المحاكم بنظر الطعون الانتخابية، فأبقوه ولكن قالوا إن الأخطار الخارجية التى تهدد البلاد، وكذلك أعداء الثورة فى الداخل قد تجعل الظروف لا تسمح بإجراء الانتخابات فور صدور حكم القضاء بقبول الطعن، ومن ثم ومع الاحترام الكامل للأحكام، إلا أن تنفيذها وما يقتضيه من إعلان خلو الدائرة، وإجراء انتخابات جديدة ينبغى أن يكون معلقا على صدور قرار تنفيذى من المجلس النيابى، لأن المجلس هو الأقدر على مراعاة الظروف السياسية.. وهكذا نصت المادة 89 من الدستور على ما يلى: «يختص مجلس الأمة بالفصل فى صحة نيابة أعضائه، وتختص محكمة عليا يعينها القانون بالتحقيق فى صحة الطعون المقدمة إلى مجلس الأمة وذلك بناء على إحالة من رئيسه، وتعرض نتيجة التحقيق على المجلس للفصل فى الطعن، ولا تعتبر العضوية باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثى أعضاء المجلس»، ثم نهج دستور 1964 النهج ذاته وجاءت المادة 62 مطابقة للسابقة، ثم كانت المادة 93 من الدستور الحالى.

ما الذى يفصل فيه المجلس بعد رأى محكمة النقض؟
قام رأى واضعى الدستور على أن شروط صحة العضوية وكذلك شروط استمرارها لا تنحصر فى صحة العملية الانتخابية فحسب.. فلا شك أن من شروط استمرار العضوية بقاء العضو حياً.. أو متمتعا بقواه العقلية.. فضلا عن جنسيته وجنسية أبيه، وألا يصدر عليه حكم بعقوبة جنائية أو فى جريمة مخلة بالشرف، أو بالإفلاس.. وقد يموت النائب أو يحجر عليه أو يشهر إفلاسه بحكم قضائى نهائى وغير ذلك من المسائل التى يختص القضاء وحده بالفصل فيها بغير منازع.. والتى تؤثر على شروط صحة العضوية أو استمرارها.

ولما كانت المادة 94 من الدستور قد أوجبت انتخاب عضو بديل خلال ستين يوما.. من تاريخ خلو مكان النائب.. وكانت المادة 96 من الدستور قد اشترطت أغلبية ثلثى الأعضاء لإسقاط العضوية، ومن ثم فإنه يحسن أن يعامل رأى محكمة النقض فى الطعن الانتخابى المعاملة ذاتها، فلا يخالف المجلس رأى محكمة النقض، ولكن يشترط لتنفيذ هذا الرأى صدور قرار من المجلس ببطلان العضوية.

وخلاصة القول، إن تفسير المادة 93 من الدستور الذى يتسق فى رأينا مع باقى نصوص الدستور وأعماله التحضيرية، ويتلاءم مع النسق العام للقانون المصرى والعالمى، يقتضى أن نقول: «إن محكمة النقض هى التى تختص بالفصل فى خصومة الطعن المرددة بين الطاعن والمطعون ضده.. ولا يجوز مخالفة ما انتهت إليه.. سواء فى المحاكم أو فى غيرها، وفى نفس الوقت فإن عضوية النائب بالمجلس لا تزول إلا بعد صدور قرار من ثلثى أعضاء المجلس ببطلان عضويته أو إسقاطها».

قول مجلس الشعب إنه سيد قراره، يريد أن يستعلى على الناس بالباطل، فأورثه الله ذلا بحق.. وأصبحت هذه العبارة محل سخرية العاملين.

اغتال المجلس نفسه، لأن الدولة ذاتها فكرة قانونية، وسيادة القانون هى الأساس الوحيد لمشروعية السلطة، فسلطة رئيس الدولة والحكومة.. ومجلس الشعب والقضاة.. لم تعط لواحد منهم لميزة فى شخصه أو ليستعملها حسب هواه.. وإنما قررها القانون ليستعملها كل ذى سلطة وفقا لشروط القانون ولصالح الشعب وحده.

اغتال المجلس نفسه لأن مهمة مجلس الشعب هى أن يقوم بسن القوانين لكى يسود القانون ويلتزمه الحكام والأفراد.. ومهمة القضاء.. أن يراقب التزام الحكومة والأفراد بالقانون الصادر عن مجلس الشعب، ولا سيادة للقانون بغير تنفيذ أحكام القضاء، وإذا خولفت أحكام القضاء فقد مجلس الشعب مبرر وجوده.

إذا تم تعطيل حكم القانون، كانت السيادة لهوى الأقوى، وفى بلادنا ليس مجلس الشعب هو الأقوى، بل الأقوى هو من يملك سيف المعز.. وذهبه، ولا يستطيع مجلس الشعب ولا غيره أن يخالف هوى القوى حتى فى شأن قراراته بصحة عضوية أعضائه أو بطلانها.
وسبحان من علمنا « قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا»، «وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين».

ولأن سلطة المجلس فى الفصل فى صحة عضوية أعضائه سلطة ولائية.. لا تتضمن فصلا فى خصومة.. فإنها لا تتوقف على شكوى أو طلب، وكذلك أيضا جعل الدستور أن الأصل هو صحة عضوية أعضاء مجلس الشعب.. وإلا من ذا الذى سيفصل فى صحة هذا العضو أو ذاك لا سبيل إلا أن نفترض فيهم جميعا الصحة.. ثم اشترط الدستور لصدور القرار بالبطلان نصابا خاصا هو أغلبية ثلثى أعضاء المجلس.. فإن حضر عدد يزيد على النصف.. ويقل عن الثلثين وأجمعوا على بطلان عضوية نائب لم يصح القرار، ولأن قرارات المجلس بشأن صحة العضوية هى قرارات ولائية فلا حجية لها، فلا تمنع المجلس من أن يصدر قراره بإسقاط العضوية متى توافرت أغلبية الثلثين، لذلك كله نصت المادة 90 من الدستور على أن يقوم النائب بحلف اليمين قبل مباشرة أى عمل مفترضة صحة عضويته، كذلك نصت المادة 96 على جواز إسقاط عضويته متى فقد الثقة أو الاعتبار أو فقد أحد شروط العضوية أو صفة العامل أو أخل بواجبات عضويته، ففتحت الباب لإسقاط العضوية بشرط وحيد هو اتفاق كلمة ثلثى أعضاء المجلس.. مما يقطع بأن سلطة المجلس فى هذا الخصوص هى سلطة ولائية محضة.

ومن نافلة القول.. إنه ليس من شأن اختصاص المجلس ببحث شروط صحة عضوية أعضائه، أو بإسقاط عضويتهم. أنه يختص بالمنازعات المتعلقة بشروط العضوية.. فهو لا يختص بدعاوى الإفلاس، ولا الجنسية المصرية، ولا بالحجر، ولا بالفصل فى الاتهامات الجنائية الموجهة إليهم.. ولا غير ذلك مما يتصل بشروط عضوية مجلس الشعب.

لا وجه لقياس اختصاص بعض اللجان الإدارية بالفصل فى المنازعات ولا مجالس التأديب فى الجهات المختلفة.. ولا لجان ضباط القوات المسلحة على ما يزعمه هذا الرأى من اختصاص مجلس الشعب بالنظر فى الطعون المقدمة إلى المجلس».. نلاحظ أن النص قال إن المحكمة هى التى تختص.. وليس المجلس.. فالمحكمة هى صاحبة الاختصاص وليست مكلفة من قبل المجلس.. ولا يملك المجلس مزاحمتها فى اختصاصها.. ثم يقول النص «وتعرض نتيجة التحقيق والرأى الذى انتهت إليه المحكمة» ونلاحظ أيضا أن النص قد كلف المحكمة باستخلاص نتيجة التحقيق، ثم كتابة الرأى أليس معنى ذلك أنه أسند إليها الاختصاص بالقول الفاصل فى نزاع تستنفيذ به المحكمة ولائيتها؟ ويمنعها من إعادة النظر فى النزاع؟ وبماذا نسمى رأى المحكمة إذا كان بعدم إجراء التحقيق لأن الطعن غير مقبول شكلا؟ أو بإثبات ترك الطاعن للخصومة فى طعنه؟ وهل يكون للمجلس أن يرغمها على العدول عن رأيها؟ ويلزمها بقبول الطعن شكلا ثم تحقيقه، أو برفض ترك الطاعن لطعنه ويلزمها بالتحقيق؟ فى حين أن النص قد اسند إليها وحدها هذا الاختصاص.

2 - وعلينا أن نلاحظ أن النص أوجب أن تقول محكمة النقض رأيها بعد أن نستخلص نتيجة التحقيق، فلم يكتف النص برأى المستشار المحقق وحده كما يردد أصحاب ذلك الرأى، والمقصود بمحكمة النقض بإجماع الآراء هو دائرة كاملة من دوائرها، ولو كان المطلوب مجرد رأى استشارى لاكتفى النص برأى المستشار المحقق.

كما ينبغى أن تلاحظ أن النص قد ألزم المحكمة بعرض نتيجة التحقيق وحدها والرأى الذى انتهت إليه ولم يلزمها بإرسال أوراق التحقيقات ذاتها ليعيد المجلس استخلاص النتيجة منها.. ولقد استقر العمل على ذلك.

3 - لا يليق أن يقال إن للمحاكم مهمة غير إصدار الأحكام: فلا يجوز اللجوء إلى محكمة بقصد إصدار فتوى، وحين أراد المشرع أن يسند إلى مجلس الدولة مهام غير الفصل فى الخصومات؟ تجذب القسم القضائى.. وأنشأ قسمين للفتوى والتشريع.. فكيف نستسيغ القول إن الدستور قد ترك كل الأجهزة القانونية الاستشارية فى مجلس الشعب وهيئة قضايا الدولة أو حتى مجلس الدولة وأراد أن تصدر فتوى غير ملزمة من رأس السلطة القضائية منعقدة بتشكيل محكمة ؟؟ ألا يقوض هذا الرأى مبدأ الفصل بين السلطات من أساسه؟ أو ليس الهدف من قسمة السلطات إلى ثلاث هو أن تحد كل سلطة غيرها من السلطات؟ بقول ملزم لا مشورة؟ وهل يجوز أن تتحلل المحاكم من التزامها بالقانون الصادر عن مجلس الشعب؟ وتعتبر مجرد نصائح وإرشادات وآراء غير ملزمة!.

4 - بل إن هذا الرأى يتجاهل المصدر التاريخى للنص، فبتاريخ 19/4/1923 صدر دستور 1923 وقد نص فى المادة 95 على أن يختص المجلس بالفصل فى صحة نيابة أعضائه ولا تعتبر النيابة باطلة إلا بقرار يصدر بأغلبية ثلثى الأعضاء.. ويجوز أن يعهد بهذا الاختصاص إلى سلطة أخرى، ولقد أضيفت العبارة الأخيرة بناء على طلب الأمة فمنذ القرن التاسع عشر عرفت الفرض بين إسناد مهمة الفصل فى الطعون إلى المجالس المنتخبة وبين إسنادها إلى المحاكم.. واختارت الأخيرة.. وقد تولى صياغة هذه العبارة عبدالعزيز باشا، ثم صدر القانون 11 لسنة 19123 فعهد إلى كل من مجلس الشيوخ والنواب بالفصل إلى صحة نيابة أعضائه، وانتخب المجلس فى سنة 1924 وفى 22 مارس 1924، انعقد مجلس النواب، وفى 24 مارس سنة 1924 انعقد مجلس الشيوخ وعبر أعضاء المجلسين عن رأيهم فى أن الطعن الانتخابى ذو طبيعة قضائية.. ولا تصلح المجالس المنتخبة للفصل فيه لأن طبيعتها سياسية وأعضاءها أصدقاء أو خصوم للمطعون ضدهم والحرص على شرف المجلسين وشرف الوطن يقتضى أن يعهد بهذا الاختصاص إلى المحاكم، وهذا ما انتهى إليه دستور 1930 فقد نصت المادة 90 منه على ما يلى:
«تقضى محكمة الاستئناف منعقدة بهيئة محكمة النقض وإبرام؟ أو محكمة النقض والإبرام إذا أنشئت؟ فى الطلبات الخاصة بصحة نيابة النواب والشيوخ أو بسقوط عضويتهم، ويحدد قانون الانتخاب طريق السير فى هذا الشأن» وجاء بالمذكرة الإيضاحية للدستور تعليقا على اختصاص المجلسين بالفصل فى صحة العضوية فى دستور 1923 «إن التنفيذ جاء بما يونس تمام اليأس من بقائه:
«1» فقد جعل هذا الاختصاص أداة حزبية فى المجلسين يقبل الطعن أو يرفض للسبب الواحد بحسب ما إذا كان المطعون فيه خصيما أو نصيرا.
«2» كما جعله تجارة لمصلحة بعض الأعضاء، يستعملون نفوذهم لحمل المجلس على رفض الطعن بأن يتولوا الدفاع عن المطعون ضده.
«3» وحتى قبل أن يصل الأمر إلى دور الطعون كان فريق يلوح بهذا الاختصاص ليحمل المخالفين على النزول على إرادته يأسا من الاستفادة من النجاح فى الانتخابات.
«4» بل يحمل من نجح من مخالفيه على الانضمام إليه خشية أن تهدر آماله وتضيع جهوده بقبول الطعن فى انتخابه».
إذا ما أشبه الليلة بالبارحة!

المستشار أحمد مكى نائب رئيس محكمة النقض

لمعلوماتك...
222 عدد الدوائر الانتخابية ويتم انتخاب عضوين عن كل دائرة
444 عدد أعضاء مجلس الشعب طبقا للقانون 38 لسنة 72









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة