فى نهاية عام 87، وتحديداً فى يوم 6 أبريل اجتمع سبعة من كوادر وكبار قادة جماعة الإخوان المسلمين العاملين فى الساحة الفلسطينية، وهم أحمد ياسين وإبراهيم اليازورى ومحمد شمعة (ممثلو مدينة غزة)، وعبد الفتاح دخان (ممثل المنطقة الوسطى)، عبد العزيز الرنتيسى (ممثل خان يونس)، عيسى النشار (ممثل مدينة رفح)، صلاح شحادة (ممثل منطقة الشمال)، وكان هذا الاجتماع إيذانًا بانطلاق حركة حماس, كانت الانتفاضة الفلسطينية المباركة فى أوجها تقودها كوادر وعناصر فتح فى الداخل ومن خارج الأرض المحتلة كان يقودها أبو جهاد مهندس الانتفاضة الأولى وعضو اللجنة المركزية والمجلس الثورى لحركة فتح الذى كان يقود هذه الانتفاضة العظيمة، حيث لم تكن حماس قد ظهرت إلى الوجود بعد، ثم أصدرت حماس بيانها الأول ثم صدر ميثاق الحركة فى أغسطس 198.
وكما كان لينين هو عرّاب الثورة البلشفية، فقد كان ستالين هو المسيطر الحقيقى على كوادر الثورة البلشفية, كان كذلك حال الشيخ أحمد يس عرّاب حماس، فيما كان خليل القوقا بمثابة ستالين للثورة البلشفية، وقد كان خليل القوقا "الرجل الثانى فى حركة المقاومة الإسلامية حماس بعد مؤسسها الشيخ أحمد ياسين"، ولد القوقا فى العام 1948 فى بلدة حمامة من قضاء المجدل عسقلان داخل الخط الأخضر، وهاجر مع أسرته عقب نكبة 1948 إلى معسكر الشاطئ للاجئين، وتلقى تعليمه فى مدارس وكالة غوث اللاجئين، وتخرج من معهد المعلمين فى رام الله، ليعود مدرساً للغة العربية فى وكالة الغوث، وكان له دور فى تأسيس المسجد الشمالى ثم الجمعية الإسلامية فى معسكر الشاطئ مع الشيخ أحمد ياسين، حيث اعتبر ساعده الأيمن فى فترة الثمانينيات، وكذلك كان ممن لهم الدور البارز فى إرساء دعائم الجامعة الإسلامية وتأسيسها بغزة والمحافظة على صبغتها الإسلامية بعد محاولات عدة من العديد من الأطراف لتغير اسمها, وشغل منصب أول رئيس للجمعية الإسلامية التى قام بتأسيسها لتضم الشباب تحت لواء الإسلام، وكان له الدور فى تخريج جيل من القادة ممن تأثروا به من بينهم إسماعيل هنية وسعيد صيام وغيرهم، وكان الشيخ خليل خطيباً مفوهاً واستثمر خطب الجمعة فى المسجد فى تحريض الفلسطينيين على مقاومة الاحتلال، وحثهم على الانتفاضة والمقاومة. وكان من قادة الانتفاضة الأولى قبل أن تظهر حماس رسمياً إلى الوجود، وكان قد اعتقل عدة مرات من قِبل القوات الإسرائيلية، وقامت إسرائيل بإبعاده إلى لبنان فى الحادى عشر من إبريل فى العام 1988، فانتقل إلى تونس ثم إلى مصر وأخيراً إلى الإمارات العربية.
وقد جاب القوقا العديد من الدول العربية والغربية ناقلاً هم بلده وحاملاً قضية فلسطين إلى العالم أجمع إلى أن توفى عام 2005 فى دولة الإمارات العربية بعد صراع طويل مع أمراض السكر والضغط والقلب، وفى الوقت الذى مازالت فتح تعمل جاهدة باتجاه عقد مؤتمرها العام السادس بعد أكثر من عشرين عاماً من مؤتمرها السابق الذى عقدته فى العاصمة التونسية، شهدت الحياة التنظيمية الداخلية لحركة حماس بداية شهر أبريل الماضى، عملية انتخابية داخلية سرية وشبه سرية تم الإعداد لها على امتداد الفترات الماضية، كما أنها لم تأتِ بتغييرات جذرية فى قيادات الحركة، إنما جاءت بأعضاء جدد إلى المكتب السياسى ومجلس الشورى الموسع والمصغر.
ومن أجل توضيح مسار العملية الانتخابية الأخيرة داخل منظمة حماس، كان لابد من الإشارة إلى أن هذه الانتخابات سارت وفق ثلاث مراحل: ففى المرحلة الأولى كانت انتخابات المؤتمر العام أو مجلس الشورى الموسع وعدد أعضائه مائة عضو، وتلاها فى المرحلة الثانية انتخابات مجلس الشورى المصغر الذى يضم نحو خمسة وعشرين قيادياً يمثلون المناطق الفلسطينية المختلفة فى داخل فلسطين وخارجها بنسب متفاوتة، خصوصاً الضفة الغربية وقطاع غزة، ويعتبر مجلس الشورى المصغر بمثابة القيادة السياسية لحركة "حماس"، المنوط به تدبير الملفات اليومية والعمل اليومى للمنظمة، وهو الذى يملك اتخاذ القرار السياسى، وأعضاء المجلس الشورى المصغر هم أعضاء فى المكتب السياسى، ويمكن اعتبار أن مجلس الشورى المصغر، هو بمثابة المكتب التنفيذى للحركة، كما أنه لا يوجد سقف زمنى لاستمرار رئيس المكتب التنفيذى فى موقعه، ولذلك يمكن اعتبار المكتب التنفيذى الذى هو مجلس الشورى المصغر أعلى قيادة لحركة حماس، وأعضاء المكتب السياسى هم أعضاء فيه، ومن يرأس المكتب التنفيذى اسم غير معلن إلى الآن، وتدور تكهنات حول شخص رئيسه.
أما فى المرحلة الثالثة فقد جرت انتخابات المكتب الإدارى والسياسى، ومن المعلوم أن أعضاء المكتب السياسى والإدارى هم أساساً أعضاء فى مجلس الشورى المصغر، ومن المرجح فوز ممثل حركة حماس فى بيروت فى انتخابات مجلس الشورى المصغر وبعد ذلك المكتب السياسى، إضافة إلى شخصية شابة ما زالت فى العشرينيات من العمر لكنها غير معروفة إعلامياً، أما أعضاء المكتب السياسى التسعة، فاثنان منهم غير معلنين هم الذين يسمون رئيس المكتب السياسى بالإجماع، حيث أُعلن فوز خالد مشعل فى موقعه رئيساً للمكتب السياسى، رغم أنه يشغل موقعه منذ 12 عاماً. فقد جرى تعديل يعطى الحق لرئيس المكتب السياسى، بأن يرشح نفسه مرة ثالثة، بعد أن كانت رئاسة الحركة تتم لفترتين أساساً، أى ولايتين، وقد جرى هذا التعديل أخيراً من أجل خالد مشعل بدفع من سوريا وإيران، ومن المعلوم أن أعضاء المكتب السياسى المعلنين لحركة حماس هم خالد مشعل، الدكتور موسى أبو مرزوق، المهندس عماد العلمى، محمد نزال، محمد نصر، عزت الرشق، سامى خاطر، حيث يتوقع أن يكون أسامة حمدان من الأعضاء الجدد فيه، إضافة إلى شخص آخر لم يتم التكهن باسمه بعد حتى يكتمل العدد إلى تسعة أعضاء، وإذا كانت الدعاية الانتخابية فى أية انتخابات هى أمر لا بد منه، حيث يعرض كل مرشح برنامجه الانتخابى إلا أن انتخابات حماس خلت من عرض أى برنامج لأى من المرشحين اعتماداً على دراية كل الناخبين بكل المرشحين ومعرفة كاملة بتوجهات المرشحين.
لكن تأتى نتائج الانتخابات كما لو كانت معروفة سلفاً، حيث تم التجديد لخالد مشعل فى رئاسة المكتب السياسى لولاية ثالثة بعد تعديل اللائحة الداخلية التى لم تكن تسمح له بالترشح إلا لولايتين فقط، حيث تم تبرير البعض لهذا الإجراء بأنه توجهات واقعية لقادة حماس، ويتساءل البعض من المراقبين والمحللين، هل هذه التوجهات الواقعية من قادة حماس هى الرد الواقعى على توجهات ناتانياهو الواقعية؟ وهى التوجهات التى أعلن عنها نتنياهو فى سياق كلمة مسجلة وجهها إلى مؤتمر اللوبى المؤيد لإسرائيل "إيباك" الذى انعقد مؤخراً فى واشنطن عن ثقته بأنه إذا اتخذت الأطراف المعنية توجهاً واقعياً إزاء عملية السلام، فسيتمكن هو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والرئيس الأميركى باراك أوباما من مفاجأة العالم, فهل قررت حماس أخيراً أن تدخل فى لعبة المفاوضات مزاحمة لفتح بقيادة أبو مازن الذى يدخل المفاوضات باسم السلطة الوطنية الفلسطينية؟ حيث اقترح نتنياهو توجهاً جديداً يعتمد على دفع المفاوضات مع الفلسطينيين على ثلاثة مسارات، وهى المسار السياسى والمسار الأمنى والمسار الاقتصادى, وأوضح أن المسار السياسى يعنى استئناف المفاوضات بين الجانبين دون تأخير، أما المسار الأمنى فيتمثل فى مواصلة العمل مع المنسق الأمريكى الجنرال كيت دايتون من أجل دعم قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، وبالتعاون مع الجانب الأردنى، حيث أدركت حماس أنها سوف تكون مستبعدة من المفاوضات إذا لم تكن عندها هذه التوجهات الواقعية، وحتى تظهر حماس توجهاتها الواقعية الجديدة بالإسراع فى إجراء انتخابات داخلية ذات توجهات واقعية للسماح لها بالمزاحمة فى المفاوضات وحتى لا يتم استبعادها.
كما أوضح نتانياهو أن المسار الاقتصادى لن يكون بديلاً للمفاوضات، وأنه يستهدف إزالة العقبات التى تعترض عملية انتعاش الاقتصاد الفلسطينى وإيجاد فرص عمل للشبان الفلسطينيين، ومن ناحية أخرى أكد رئيس الوزراء الإسرائيلى ناتانياهو أن السلام لن يتحقق دون الأمن، ولذلك لن تتخلى إسرائيل أبداً عن أمنها. وأضاف "إن التوصل إلى تسوية سلمية نهائية يقتضى اعتراف الفلسطينيين بدولة إسرائيل كدولة يهودية"، فهل اقتربت حماس من الاعتراف بالدولة اليهودية التى سبق لفتح والسلطة الوطنية الفلسطينية الاعتراف بها، وبذلك تضمن حماس مشاركتها فعلياً وشرعياً فى السلطة الوطنية الفلسطينية تمهيداً لمشاركتها فى حكم الدولة الفلسطينية المنتظر قيامها والاعتراف بها فى مقابل الاعتراف الكامل بالدولة اليهودية؟ لكن سوف يتوقف ذلك كله على موقف سوريا من المفاوضات فقد ظهرت خلافات فى الحكومة الإسرائيلية مؤخراً، بشأن المفاوضات مع سوريا بين وزيرى الدفاع إيهود باراك والخارجية أفيغدور ليبرمان, وأكد باراك زعيم حزب العمل أن المفاوضات مع سوريا يجب أن تبقى دائما فى برنامج عمل الحكومة، موضحا لصحفيين قبل بدء الاجتماع أن مصلحة إسرائيل تقتضى تطبيع العلاقات مع سوريا مع حماية مصالحها.
وعن انسحاب إسرائيلى من هضبة الجولان السورية التى احتلتها إسرائيل فى 1967، عبر وزير الدفاع عن تأييده لمقاربة منفتحة، وقال ''يجب أن نكون أقوياء ومنفتحين ومستعدين للسلام إذا تمت حماية مصالحنا'', وجاء موقف باراك مناقضاً لموقف وزير الخارجية الإسرائيلى أفيغدور ليبرمان، الذى يقول دائماً بأنه لا يمكن اعتبار سوريا شريكة حقيقية لأى اتفاق لكونها تؤيد التنظيمات الإرهابية والبرنامج النووى الإيرانى, وقال ليبرمان ''علينا النظر إلى الواقع, إن سوريا مازالت حتى اليوم تأوى المقرات العامة لمنظمات اعتبرها إرهابية مثل حماس والجهاد", وتابع رداً على سؤال حول إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام مع دمشق ''إن سوريا تدعم حزب الله وحركة تهريب الأسلحة التى يقوم بها إلى جنوب لبنان، سوريا تدعم البرنامج النووى الإيرانى، لذلك لا يمكن لسوريا أن تكون شريكاً حقيقياً فى أى اتفاق كان''، وبالتالى قد بدأت حماس فى توفيق أوضاعها ثم تبدأ سوريا فى توفيق أوضاعها هى الأخرى حتى تبدأ المفاوضات النهائية بعد تمهيد الأرض بالحوار الأمريكى الإيرانى، ليصب كل ذلك فى التوجهات الواقعية التى ينادى بها الجميع حتى يلحقوا بقطار المفاوضات خضوعاً للترتيبات الأمريكية فى المنطقة التى تراعى أول ما تراعى أمن الدولة اليهودية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة