بعد سلسلة من الأزمات السياسية المتكررة، اقترع الكويتيون لاختيار ثانى برلمان خلال سنة واحدة والثالث فى غضون ثلاث سنوات، وتنافس فى الانتخابات 210 مرشحين على المقاعد الخمسين فى البرلمان، بينهم 16 امرأة، وهى المرة الثالثة التى تشارك فيها الكويتيات بالترشح والاقتراع فى الانتخابات.
فشلت المرأة فى الدورتين السابقتين، لكنها عادت وحققت المفاجأة فى الثالثة رغم السيطرة المطلقة للإسلاميين والمحافظين على البرلمانيين الماضيين، واستطاعت أسيل العوضى وأخواتها رلى دشتى وسلوى الجسار ومعصومة المبارك تحقيق ما يمكن وصفه بالانتصار التاريخى للمرأة الخليجية،
لتدخل بذلك المرأة مجلس الأمة للمرة الأولى فى هذا البلد المحافظ منذ إطلاق الحياة البرلمانية فى 1962 ومنذ إعطاء النساء حقوقهن السياسية فى 2005.
يبدو أن رياح التغيير الحقيقية قد بدأت تهب على منطقة الخليج التى يصفها البعض بأنها محميات صحراوية من القرون الوسطى، تعيش مجموعة من التناقضات بين المدنية والبداوة، بين التقدم الظاهرى وتخلف القيم والقوانين الحاكمة، والتى جعلت من البشر مخلوقات تائهة بين التطرف الدينى والاجتماعى من ناحية، وبين الارتماء الكامل فى المظاهر الغربية، ولكن هل يكفى فوز أربع نساء فى انتخابات الكويت التشريعية لأن تجعلنا نتحمس لحلم التعيير فى منطقة الخليج؟
الحادث أن فوز أسيل وأخواتها قد ترافق مع إشارات تنبئ عن حراك سياسى واجتماعى فى الصحراء العربية ومنها مثلا قرار البحرين بإلغاء الكفيل، النظام البشع الذى يعتبر نوعا من تطوير نظام الرق أو التحايل عليه، لتضع بقية الدول الخليجية فى مواجهة كاشفة مع العصر الذى نعيش فيه، وكذلك إعلان العاهل السعودى عن مسيرة إصلاحية لإعادة الاعتبار للمرأة، حتى وإن كانت، بحسب تعبيره "خطوة خطوة" بالتوازى مع ما يبذله من جهد لتقليم أظافر جماعات العنف الجهادى من ناحية، وتخفيف قبضة المتطرفين على المجتمع وهم الشركاء التقليديون لآل سعود فى الحكم.
من ناحية أخرى تمثل حالة "دبى" نموذجا ضاغطا وداعما لثورة أسيل وأخواتها، فالكويت ودبى وسائر المدن الخليجية، تعيش أزمة حضارية حقيقية لا مهرب منها إلا بالتغيير ودخول العصر، ففضلا عن أنها مدنيات مصنوعة، تواجه حالة من الخلل السكانى نتيجة غلبة الوافدين المستقرين، والوافدين المتوطنين، الذين أصبحوا جزءا أساسيا من قوام الدول والمدن والإمارات الخليجية، وهؤلاء البشر ليسوا رقيقا، ولا يقبلون مهما كانت الضغوط الاقتصادية أن يستمروا مواطنين من الدرجة الثانية، خاصة بعد أن أصبحوا القوة الفاعلة فى المجتمعات الخليجية ومحركى الاقتصاد، الذين لا غنى عن دورهم، مما يعنى أن حكام الخليج الأذكياء منهم وغير الأذكياء فى اختبار إجبارى بالاستسلام إلى قانون "أسيل وأخواتها" بالتغيير السلمى التدريجى نحو الدولة المدنية، أو انتظار ثورة الوافدين طالبى المواطنة الكاملة، خاصة بعد تراجع أسهم المحافظين وفشلهم فى تقديم نموذج للحياة يوفق بين الحاجات الروحية والمادية للإنسان فى زمننا الراهن.