أواخر شهر أبريل قمت بزيارة لمصر بعد غياب دام خمس سنوات تقريباً للمشاركة فى مؤتمر مصريين ضد التمييز الدينى بعنوان "التعليم والمواطنة" فى الفترة من 24 إلى 25 أبريل، انبهرت من كلمات المشاركين أصحاب الرؤيا الثاقبة الذين أكدت كلماتهم أن فشل التعليم هو السبب الرئيسى لما تعانيه مصر من تطرف وتخلف وانغلاق وتمييز بين المسلم وأخيه المسيحى أو البهائى، وقدم المؤتمر صورا حية للاضطهاد الدينى فى فيلمين من إخراج الأستاذة نادية توفيق والأستاذ نادر شكرى، أدركت أن الصورة التى نعرفها عن التمييز الدينى فى مصر هى صورة مصغرة للحقيقة، فالواقع أكثر تطرفاً وتعصباً واضطهادا ضد الآخر المخالف.
وكان اختيار الدكتور منير مجاهد ومرافقيه لموضوع المؤتمر كالعادة يعكس بعد رؤيا وصورة ثاقبة، حيث إن علاج مصر من التمييز يبدأ من التعليم طبقاً للمقولة الصادقة "التعليم فى الصغر كالنقش على الحجر"، فمن يقضى مراحل تعليمه من المرحلة الابتدائية للجامعة بدون معرفة الآخر فماذا نتوقع منه إلا التمييز والتطرف والتعصب ضد الآخر الذى لم يعرفه.
قصص واقعية من مدارس مصر
"حنفية المسيحيين ما فيهاش ميه"
مينا من طلاب مدرسة فاطمة الزهراء بمحافظة حلوان وادى حوف ذات يوم قالت له أمه: مينا ما تنساش تأخذ الزمزمية معك.
فكانت إجابة الطفل البريئة: يا ماما مش ها خذها علشان حنفية المسيحيين ما فيهاش ميه!!
سألت الأم ابنها البرىء (يعنى إيه!!): فإذا مينا الطفل ذات الثمانية أعوام يشرح التفاصيل، الحكاية أنه مع بداية العام الدراسى ذهب بزمزمية للحنفية فإذ يقف أمامه بعض التلاميذ الأكبر سناً الذين قسموا حنفيات المياه هذه للمسلمين وهذه للمسيحيين، وبالطبع حنفية المسيحيين معطلة وتالفة ولا يصل إليها الماء!! تعجبت من اعتناق أطفال المرحلة الابتدائية الأبرياء هذا الفكر الملوث المتخلف؟! كيف هذا يحدث فى مدرسة قومية!
أدركت أن الفكر المتطرف لا يتوقف على المدارس الإخوانية فقط بل ينتشر انتشارا كمرض سرطانى فى وزارة يطلق علها وزارة "تربية وتعليم"؟! وكان المقصود بها التربية على التطرف والتعليم على الإرهاب!
يا سيد الخلق يا طه
نشأت وترعرعت فى حدائق القبة، حيث مجمع مدارس يضم مدرسة الشهداء، ومحمد فريد الابتدائية، وإسكان ناصر الإعدادية.. بجوار منزلى فى القاهرة تذكرت أيام الطفولة كنا نذهب للفصول على صوت بلادى بلادى بلادى لكى حبى وفؤادى... ولكنى استيقظت ذلك الصباح القريب على صوت يا سيد الخلق يا طه راجعت نفسى للتأكد من عدم وجود مناسبة دينية على الإطلاق.
وعندما سألت لماذا هذا النشيد "يا سيد الخلق يا طه"؟
جاءت الإجابة من أحد التلاميذ نرددها أثناء صعودنا للفصول!! نشيد المدرسة الحكومية يا سيد الخلق يا طه!! وليس بلادى بلادى بلادى فتعجبت كيف هذا؟!
فى مدرسة حكومية؟!
ليس هناك مناسبة دينية؟! وما شعور الطلاب المخالفين فى الديانة؟!
كيف تكون نظرة زملائهم لهم؟!
أين وزير التربية والتعليم؟!
وأسئلة أخرى إن كان المدرسة الحكومية يسيطر عليها هذا الفكر فماذا ننتظر من الأجيال القادمة؟! وماذا يلقب وزير التعليم ملا أم شيخ؟! وماذا عن الدولة.. دولة دينية أم مدنية؟!
أخذت أفكر ماذا يكون شعور الطالب القبطى أو البهائى الذى ليس له الحق فى شرب المياه فى مدارس الدولة لأن حنفيته ليس بها مياه؟! وممنوع من شرب المياه من حنفية المسلمين؟! وماذا عن شعوره وهو مهمش داخل مدرسة يساهم أبيه فيها من ضرائبه علاوة على المصاريف السنوية؟!
أليس هذا يحزن القلب؟
أليس هذا يزيد الطائفية؟
أليس هذا مدعاة للسخرية من الدولة المدنية؟!
أليس لنا أن نبحث عن لقب مناسب لوزير التعليم ورئيس الجمهورية أيضاً؟!
أخيراً لك أن تتخيل إن كان هذا يحدث فى مدارس حكومية فكم بالأحرى فى مدارس تحتكرها جماعات الظلام المتطرفة؟!
The eye, which doesn’t know the meaning of tears, it doesn’t know any thing of value العين التى لا تبكى لا تبصر من الواقع شيئا
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة