ألا تتفق معى على أن الإنسان الذى «يمتع» بمواهبه أكبر عدد ممكن من الناس تنهمر عليه الأموال الوفيرة؟ وأن هناك علاقة وثيقة بين قدرتك على أن تمنح الجموع قدراً كبيراً من «المتعة»، وبين ما يدخل جيبك من أوراق البنكنوت؟
لكن علينا أن نتفق أولاً على ما المقصود بـ «المتعة»؟
لأنه من المعلوم أن ما يحقق المتعة للرجل الأمى مثلاً ليس بالضرورة يحدث الأثر نفسه فيما نال نصيبه من التعليم؟
كما لا يستوى رجل الشارع العادى فى إحساسه بـ«المتعة» مع شخص قرأ وشاهد وثقف نفسه؟
بوضوح أكثر: إن كرة القدم تحقق - على سبيل المثال - متعة كبيرة للملايين من الناس، بينما لا يستمتع بالإنصات إلى «سيمفونية «لبيتهوفن»، إلا نفر قليل ممن خبروا الموسيقى الكلاسيكية وأبجديتها وقوانينها؟ كذلك يمكن القول إن الفيلم السينمائى يوفر لعشرات الآلاف من المشاهدين ذوى المعارف والثقافات المختلفة قدراً كبيراً من المتعة.
فى حين أن الإقدام على قراءة رواية أو ديوان شعر تحتاج إلى شخص يمتلك قدراً من الصبر على القراءة، ووعياً ييسر له اكتشاف مواطن الجمال و«المتعة» فى النص الأدبى! ومثل هذا الشخص قليل فى العالم العربى (افتح هذا القوس لأذكرك بأن نجيب محفوظ لم يكن يطبع من رواياته سوى 5000 نسخة فقط، فى حين أن هناك ملايين من الناس تشاهد أبو تريكة وهو يلعب كرة القدم فتستمتع وتنفعل بمراوغاته).
لذا يمكن القول إن الإنسان الذى يهب الناس بمهاراته ومواهبه «متعاً بسيطة» مثل لعب كرة القدم، يتلقى الإعجاب والترحيب من ملايين البسطاء أصحاب الرؤى والمعارف المحدودة!
وعلى هذا الأساس نجد لاعبى كرة القدم والممثلين والمطربين هم أعلى الناس أجراً فى المجتمعات العربية، (اللهم لا حسد)، لأنهم يقدمون للملايين المتعة البسيطة التى لا تحتاج إلى إعمال العقل كثيراً. بينما نرى معاناة معظم الأدباء والمفكرين فى الحصول على ما يقيم الأود ويذود عنهم سؤال اللئيم! ذلك أن المتعة التى تسيل من كتبهم وأفكارهم ونصوصهم تحتاج إلى عقل كبير وذهن متقد ووجدان شفيف قادر على الانفعال بها والتفاعل معها، وهو أمر لا يتوفر إلا عند قلة من البشر فى بلادنا العربية!
أظن أنه لا يغيب عن فطنة اللبيب الفرق بين «المتعة» والفائدة، فالعالِم الذى يخترع جهازاً ما أو آلة معينة يحقق فائدة كبرى للبشرية، لكن هذه الفائدة ليست بالضرورة تحقق متعة وجدانية للناس، أو تجعل الناس ينتشون ويطربون عند استخدامها، وسأضرب لك مثلاً: الموبايل مفيد والكمبيوتر كذلك، حيث من الصعب على إنسان عصرى أن يعيش من دونهما، لكنهما لا يوفران «المتعة» بالمفهوم الذى نتحدث عنه، على الرغم من أن المهندس بيل جيتس ربح مليارات الدولارات من اختراعه «الويندوز»!
لكن ترى كم من العلماء فى عالمنا العربى يكسب الملايين من مواهبه العلمية وعقله الفذ؟
لا تنس من فضلك العلاقة المتينة بين إمتاع الناس والشهرة!
فالذين يزرعون فى قلوب الملايين أشجار المتعة، تصل شهرتهم إلى الآفاق، مثل لاعب الكرة والنجم السينمائى والمطرب العاطفى، بينما تتراجع الشهرة وتقل ورودها حول الأديب والمفكر والعالم! باختصار: إذا كنت تبحث عن المال الوفير والشهرة العظيمة عليك بلعب الكرة أو التمثيل أو الغناء! أما إذا كنت من أصحاب الأقلام مثل حالاتى فاطلب من الله الستر.. وهو أمر محمود على كل حال!