ماذا لو كسر مسئولون سابقون صمتهم وتحدثوا من أجل الحقيقة والتاريخ؟
السؤال تقليدى، وسبق أن ردده غيرى، وناشدوا من خلاله مسئولين سابقين بضرورة الحديث، لمواجهة ما يثار حولهم من لغط وعلامات استفهام، لكنى أجدده بمناسبة حديث المهندس حسب الله الكفراوى وزير الإسكان الأسبق إلى «اليوم السابع» فى عددها الماضى.
والكفراوى ليس من المسئولين السابقين الذين اختاروا الصمت والانزواء الذين ينطبق عليهم سؤالى، فهو سبق له الإدلاء بأحاديث صحفية أبدى فيها رؤيته حول الأوضاع السياسية، وأوضاع التعمير والإسكان فى عهده، والعهود التالية لخروجه من الوزارة عام 1993، ولكن ما يدفعنى إلى تجديد السؤال هو التعليقات الكثيرة التى تفاعلت مع الحوار، مشيدة بالرجل، ومؤكدة على وطنيته ونزاهة مقصده فى مجمل ما كان يفعله من جهود من أجل حل مشكلة الإسكان، والعمل على التوسع العمرانى فى طول البلاد وعرضها.
وتخيلوا معى.. ماذا لو صمت الكفراوى إزاء ما يذكره البعض عنه من وقائع غير حقيقية؟ والإجابة: أننا كنا سنقف أمام معلومات مغلوطة لا تجد من يصوبها، وبالتالى سنجد أنفسنا أمام رواية تاريخية واحدة، قد تتحول مع تكرارها إلى يقين رغم فسادها، طالما لا نجد من يفندها، وبالتالى يكون الصمت جريمة فى حق الأجيال التى ستجد رموزها مشوهة، ومن هذه الخلفية أعود إلى سؤالى السابق وأبطاله.
مثلاً خرج الدكتور كمال الجنزورى من رئاسة الوزراء، واختار الصمت وسيلة للرد على منتقديه الذين وصلوا إلى حد الافتراء عليه، بتصوير فترة رئاسته للحكومة وكأنها سبب البلاء الذى تعيش فيه مصر، وقيل ما قيل عن استبداده، وشللية حكومته، ومسئوليته عن مشروع توشكى الذى يواجه صعوبات كثيرة الآن، ووضعه للعراقيل أمام الخصخصة، وغيرها من الآراء التى قطعت فى لحم الرجل، ووصلت إلى حد الحديث عن ذمته المالية رغم سيرته النظيفة، وبالتوغل فى الحقائق والأحداث التالية، نكتشف أن كل ذنب الرجل أنه لم يكن على هوى بعض كبار رجال الأعمال لرفضه نهجهم فى الدفع إلى امتلاك كل شىء وبيع أى شىء، واستثمر هؤلاء علاقاتهم مع بعض المتنفذين للإطاحة به، ولما استيقظت الحكومة على كوارث الخصخصة وتوابعها، لم يعد منتقدوه إليه حقه.
خطأ الجنزورى أنه التزم بقاعدة الصمت كوسيلة رد، فترك براحا لمن يرون الحقيقة من وجه واحد، وترك التفسيرات والتأويلات تنطلق دون سند، وتاهت الحقيقة بين هذا وذاك، ربما هو يرتكن إلى الضمير الشعبى، وأن الصح سيسود يوما ما، لكن وعملا بالمثل القائل «العيار اللى ميصبش يدوش»، أعتقد أنه دفع ثمن صمته بتركه قول الرواية من طرف واحد، ومنذ أيام جمعنى لقاء بوزير سابق عمل مع الجنزورى ومع عبيد ونظيف، وذهب هذا الوزير فى رأيه إلى أن الجنزورى كان أفضلهم جميعا، وتمنى الوزير السابق لو كسر الرجل صمته وأوضح الحقيقة كاملة فيما يتعلق به.
صامتون آخرون فى القائمة منهم اللواء أحمد رشدى وزير الداخلية الأسبق، والذى أقيل من منصبه على خلفية أحداث الأمن المركزى عام 1986، رغم تمتعه بشعبية هائلة جعلته فى الذاكرة الشعبية واحداً من أفضل وزراء الداخلية فى الحكومات التى تعاقبت على مصر منذ تولى الرئيس مبارك السلطة، يلتزم أحمد رشدى مسكنه فى المنوفية ويعيش كأى مواطن عادى، لكن الحقيقة الكاملة فى قصة خروجه من الوزارة لاتزال مجهولة، خرج رشدى ومعه سره رغم أن عشرات الوزراء ظلوا فى مناصبهم، ولم يفعلوا ربع ما فعله، وإذا كان هو يتفوق على الجنزورى من ناحية عدم تعرضه لحملات صحفية منظمة، فإن الاثنين يشتركان فى مبدأ الصمت الذى يؤثر بالسلب على معرفة الحقيقة.
القائمة فيها أسماء أخرى مثل إسماعيل سلام وزير الصحة الأسبق، وحسن الألفى وزير الداخلية السابق الذى كسر القاعدة مؤخراً بحوار تليفزيونى واحد، ويبقى كبير هؤلاء زكريا محيى الدين أحد أبرز قيادات ثورة 23 يوليو عام 1952، ونائب عبدالناصر الذى اختاره خليفة له بعد تنحيه على أثر نكسة يونيو 1967، ومع عودة عبدالناصر استجابة لمظاهرات الملايين فى 9 و10 يونيو، ودع محيى الدين الحياة السياسية ومعه أسرار تاريخية هامة يرفض الإفصاح عنها، والسؤال: ماذا لو أزاح الصامتون الستار عن الحقيقة؟
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة