منحنا الله عيدين أحدهما صغير نأكل فيه الكعك بسكره وملبنه، والآخر كبير يسيطر الدم واللحم على أيامه الأربعة، شهر مايو أيضا منحنا عيدين أحدهما ينتظر فيه عمال مصر العلاوة، ونسمع فيه خطبة رئاسية نحفظ مقدمتها وخاتمتها ونتوقع ما بينهما من حشو، والعيد الثانى نشاهد فيه الصحف وقد احتل الرئيس نصف صفحاتها واقفا وبجواره مصر بأهراماتها ومصانعها وحقولها وكلمة كل سنة وإنت طيب ياريس، وفى الأسفل توقيع لصاحب الإعلان مدفوع الأجر وصورة صغيرة أوى يبتسم فيها بفخر وكأنه انتهى توا من عمل وطنى هام، هذا بخلاف أننا نسمع ونشاهد كل التراث الغنائى السياسى بداية من (إخترناه وإحنا معاه لمشاء الله) وانتهاء برائعة شعبان عبدالرحيم (عيد سعيد يا ريس يا وش الخير والنصر.. وقتك ضايع فى شغلك مبتحسبش الساعات.. دايما شباب ودايماً همة وكل نشاط.. وإيييه).
بهذه الطريقة تمر علينا أعيادنا الأربعة دون أن يعبث أحد بتفاصيلها، وتحديداً فى أعياد شهر مايو يخطب الرئيس فى عيد العمال مادحاً إياهم ومؤكداً على رعايته لهم ومبشراً إياهم بالعلاوة الجديدة، وبعد أربعة أيام يخطب الناس فى عيد ميلاد الرئيس مادحين إياه ومؤكدين على حسن رعايته لهم ومبشرين إياه على مبايعته مادام فى الصدر قلب ينبض، غير أن بعض التفاصيل سقطت من احتفالات أعياد هذا العام، خطب الرئيس فى عماله، وأكثر من القفشات والابتسامات ولكن بند العلاوة سقط عمداً من خطابه، وبدلاً من الإعلان السنوى المعتاد عن العلاوة الاجتماعية قال الرئيس إنه سوف يقاتل الحكومة من أجل تمرير العلاوة السنوية.. قف هنا لحظة وتأمل هذا التصريح لأنها بداية لتمثيلية أفضل وأمتع من مسلسلات رمضان.
مسلسل من حلقة واحدة ينتمى لفئة الفانتازيا كثيرة الضحك.. وقبل أن تسألنى وإيه الفانتازيا فى كلمتين زى دول؟ خلينى أحلفك بكل ما هو نفيس وغال عندك هل تصدق أن الرئيس مبارك هيقاتل الحكومة من أجل تمرير قرار معين؟ هل تصدق أن الوزراء الذين يظهرون مرتعدين وهم يتحدثون أمام الرئيس سيرفضون له طلبا؟ هل تتخيل أن المسئولين الذين يرددون عبارة «طبقاً لتعليمات السيد الرئيس» ألف مرة فى كل تصريح سيقولون للرئيس لأ والله معندناش.. مافيش علاوات.
لم يكن الرئيس موفقا حينما لجأ إلى تلك الحيلة المكشوفة التى ابتدعتها صحف الحكومة للتغطية على حقيقة ما يحدث فى البلد عن طريق تعليق كل المشاكل والمصائب فى رقبة رئيس الوزراء والوزراء فقط دون النظر إلى من هو أعلى من ذلك، كنا ننتظر أن يكون الرئيس أكثر وضوحا وصراحة وهو يتكلم مع محدودى الدخل الذى يؤكد فى كل مناسبة أنه على علم بمعاناتهم، كنا نتمنى أن يدرك من هم حول الرئيس أن الناس فى الشارع لا تعانى من سذاجة مفرطة تجعلها تصدق الهتافات التى يطلقها خمسون عاملا داخل قاعة المؤتمرات بينما آلاف العمال يعتصمون ويهتفون بما هو عكسها فى الشارع، كنت أتخيل أننا عبرنا ذلك المنحنى الذى تقوم فيه الأنظمة بتزييف الحقائق، وكتابة سيناريو خيالى للحياة ولعلاقة الحاكم بالمحكوم يخالف سيناريو الواقع بداية من صفحة العنوان وحتى المشهد الأخير، ولكن للأسف يبدو أننا مازلنا نعيش فى عصر ما قبل الديمقراطية الأولى..
عموماً يا سيادة الرئيس نحن لا نريد منكم علاوات ولا تصريحات ولا تطمينات بل نريد قتالاً حقيقياً -وليس فى الخطابات فقط- يعيد تغيير وجه مصر ويصحح المسيرة الآن وإلى الأبد.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة