علاء أبو زيد يكتب عن الرهان الكويتى على الديمقراطية

الخميس، 11 يونيو 2009 10:03 م
علاء أبو زيد يكتب عن الرهان الكويتى على الديمقراطية التجربة الكويتية فى الديمقراطية تستحق التقدير

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما إن تغادر مطار الكويت وتنفرد بك شمس هذه الدولة، حتى تبدأ بالانشغال بها كيف تتصدى لهجومها نهارا وهى التى هبطت واستلمت الشوارع ثم تسربت داخل البيوت المكيفة غير مستسلمة وباليل وعندما تغادر وتغيب فى بطء تترك أنفاسها الثقيلة فى أماكن المصريين المحببة على مقاعد المقاهى، ولما لا تقدر على احتمالها وتفر إلى شاطئ الخليج لا تقوى على الجلوس فقد تركت الشمس أرديتها متناثرة على رمال الشاطئ وغطست فى الماء فاشتعل.

2-
الجديد فى هذه المهمة زيارة إخوتى العاملين منذ سنين عديدة فى الكويت، والذين التقيهم مرة واحدة عند إجازتهم السنوية كل عام فى بيتنا المطل على الجسر والنهر ثم فى شققهم المكيفة بعد زواجهم.

شقيقتى الكبرى كانت على بعد خطوات وأنا أقوم بتغطية ندوة انتخابية للمرشحة الشيعية، دكتورة رولا دشتى، وهى المرشحة التى اتهمت بأنها ليست كويتية لأنها لا تجيد الحديث باللهجة الوطنية وتستبدله بلهجة وطن أمها اللبنانية، حيث عاشت طفولتها هناك، فما كان منها غير أنها اعترفت بجريمتها فى عدم إجادتها لهجة وطنها، وقالت ليس لى ذنب فى ذلك وأن أية كويتية لو كانت مكانى لعانت فى نطق لهجتها الوطنية ما يهمكم إخلاصى لوطنى وقدرتى على تحمل المسئولية وبرنامجى الانتخابى، الذى أقدم فيه حلولا لمشاكل وطننا الاقتصادية وأنا ابنة الجامعات الأمريكية وعلمهم الأكاديمى فامنحونى الفرصة.
بعد أن صافحت الحاضرات واحدة تلو الأخرى فى أماكن جلوسهن طلبت منها التصوير لوكالتنا التلفزيونية العربية.
قبلت واشترطت الإيجاز.
اخبرتها أنهم خمس دقائق فقط.
بسرعة ردت .. أقل .
- إذن .. ثلاث دقائق .
- أقل!
- دقيقتان..
وافقت وهى تسوى خصلات شعرها محدقة باتجاه الكاميرا .
أجريت معها المقابلة التى تجاوزت عشر دقائق ولما أنهيتها كانت مستعدة لأن تكمل ثم استدارت وتوجهت إلى منتصف القاعة وهى تبتسم.

هاتفت شقيقتى الكبرى كانت سعيدة طلبت منها العنوان فردت بوصف للشارع وشكل البناية، ولما طلبت منها العنوان بالتفصيل لكى أنجح فى الوصول إليها، أخبرتنى بخجل أنها لا تعرف وطلبت أن انتظر فسمعتها تسأل ابنها ابن السنوات السبعة عن العنوان فتلعثم.
أغلقت هاتفى وعدت إلى الفندق مقر إقامتى.

3-
أقمنا فى فندق من خمسة طوابق بمنطقة هادئة فى مدينة الكويت تسكنها أغلبية شيعية، للفندق حديقة خلفية تتوسطها كافيتريا يرتادها ثنائيات من أولاد كالبنات وبنات كالأولاد، يجدون فيها راحتهم وينسون خلال جلساتهم مضايقات مجتمع لا يعترف بهم ويطاردهم كخارجين عن القيم والتقاليد والدين، من يعيش فى الكويت سنوات طويلة لا يستطيع الوصول إلى الفندق إلا بمرافق يعرف المكان جيدا.
توزعنا على شقتين فندقيتين، كان معى هولاكو ومساعده هيثم وكان مع خالد المراسل المشارك فى المهمة المصور حاتم ومساعده محسن.
لدى هولاكو هاجس قوى بأن حاتم ومحسن يدبران له مؤامرة ولما كنت اسأله كيف عرفت كان يجيبنى:
- لدى إحساس بذلك.. فاكر لما حبيت آكل فراخ وجه محسن، وبلغنى بأن مطعم الفندق لا توجد فيه فراخ ثم اكتشفت صباح اليوم التالى أن المطعم فيه فراخ ..أليست هذه مؤامرة!
أخذت نفسا عميقا ثم علقت:
- لابد أن يكون لديك دليل ياهولاكو أم أنك تمتلك قوى باطنية تخبرك بما يدار وراء ظهرك.
كان هيثم مساعد هولاكو يبتسم كلما رآه يتحدث وكانت ابتسامته أكثر ما يغيظ هولاكو، لكنه لم يكن يعرف كيف يعاقبه خاصة أن هيثم كان يكسبه فى آخر الليل فى لعبة البلاى ستيشن ويستولى على سجائره المستوردة فى كوتشينة الواحد والثلاثين.

صباح يوم الجمعة بعد هزيمتين متاليتين من هيثم استيقظ هولاكو مبكرا وهو الذى نام بعد أن صلى صلاة الفجر وأدار التلفزيون على محطة تذيع القرآن الكريم وأخذ يصيح بأعلى صوته الصلاة الصلاة يا نائمين ..دقائق على صلاة الجمعة.. اصحى انت وهو ..ايه ياهيثم يا فاسق ..ما بتعرفش حاجة اسمها صلاة الجمعة .
قبل أن يفيق هيثم كان هولاكو يسحبه من قدميه كمومياء ولم يتركه إلا ممدا فى منتصف الحجرة .
هاج هيثم وهدد هولاكو بأنه لن يدع هذا الأمر دون عقاب فإذا بهولاكو يهجم عليه كفيل أفريقى مصوبا لكماته إلى وجهه قائلا:
- مليون مرة نبهتك بأنك لما تكلمنى تقولى يا أستاذ هولاكو ..فاهم ..أنا الأستاذ هولاكو ..أنا الأستاذ هولاكو ..مدير تصوير.

4-
تخدعك الكويت نهارا، فالشوارع لا تشير أن هناك معركة انتخابية برلمانية، وهى الحدث السياسى الأهم لدى المواطن الكويتى، ولكن ما إن يحل المساء وتصلى الناس صلاة العشاء حتى تمتلىء السرادقات الانتخابية بكل ألوان الطيف السياسى المكون من اتجاهات مذهبية وعرقية وليبرالية وإسلامية وبقايا قومية والجديد فى هذه الحزمة اللاعب الوافد على الملعب السياسى الكويتى الممثل فى مشاركة المرأة ناخبة ومرشحة .

منذ حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية 2005 شاركت كناخبة ثم مرشحة فى انتخابات برلمان 2006 وبرلمان 2008، لم توفق رغم أن الأصوات النسائية المقيدة فى العملية الانتخابية تزيد عن أصوات الرجال.
لا تفسير غير أن المرأة الكويتية ضد نفسها.

دكتورة أسيل العوضى إحدى المرشحات الست عشرة فى الانتخابات الأخيرة مايو 2009، وكادت أن تجلس على المقعد الأخضر فى قاعة عبد الله السالم بمجلس الأمة الكويتى فى انتخابات 2008، بعد أن حصلت على المركز الحادى عشر فى دائرة تحتاج إلى عشرة مرشحين.

بدأت أسيل العوضى ندوتها الانتخابية بالتأكيد على أن كل شيئ فى الكويت بات مدمرا فهى قالت:
- الشارع دمار والمستشفيات دمار والمطار دمار والجامعة دمار وبيوتنا دمار.
فى نهاية الندوة التى استمرت ثلاث ساعات وعدت بأنها ستعمل على إصلاح الدمار المنتشر فى كل أرجاء الكويت.
أثناء حديثها همس لى هولاكو:
- هى بتتكلم على الكويت ولا على المنطقة بتاعتى فى العمرانية .
همست له:
- بتتكلم عن فيصل
استطلاعات الرأى والصحافة الكويتية وأحاديث الناس فى سرادقات المرشحين، تتوقع فوز اسيل العوضى وأنها ستكون أول امرأة تدخل مجلس الأمة الكويتى بالانتخاب.
دفعنى هذا إلى انتظارها حتى تنهى اجتماعها لكى أجرى معها لقاء تلفزيونيا بدعم من إحدى فتيات فريقها الإعلامى، والتى كانت واثقة من فوز مرشحتها حتى أنها قالت لى.
- فوز الدكتورة اسيل العوضى لا يشغلنا فهى فائزة فائزة المهم لدى أن نوجه لكمة قاضية للإسلامين عندما تحصل على المركز الأول.
كان التواجد الكثيف للمواطنين الكويتيين فى المقر الانتخابى للمرشحة اسيل العوضى، يعلن عن احتمال كبير بفوزها، تأكد لى ذلك بعد أن أجريت اللقاء معها وإعلانها بثقة أنها ستفوز ورفضها تولى أية حقيبة وزارية لكى تتفرع لهموم مواطنى دائرتها الانتخابية وإصلاح ما رأت أنه مدمر فى الكويت.

بينما أعود هاتفنى شقيقى الأكبر الصحفى بالكويت منذ أكثر من خمسة عشر عاما، طلب أن أزوره وشرح لى العنوان بالتفصيل قبلت دعوته وأعطيت الهاتف للسائق فاستمع منه إلى العنوان والوصف السهل للوصول إليه وبعدها علق السائق.
- عنوان سهل عشر دقائق ونكون عنده.. أنا فى الكويت لى 18 سنة، وأعرف كل صغيرة وكبيرة.. أنا بفكر أنهى تعاقدى وأرجع لولادى.. كفاية غربة.. لما باخد إجازة وأروح للولية والعيال كل سنتين فى الصعيد بحس أنى غريب عنهم وأن وجودى معاهم زى عدمه.. ما هو صحيح برضه أنا ما ربيتش حد فيهم كانوا بيكبروا من غير ما حس.. خلاص ياخى ملعون أبو الفلوس ويقطع أبو الغربة.
كان يحكى وهو يدمع وكنت منشغلا بتأمل كلامه الحارق ثم انتبهنا أن السيارة تتوغل فى ضوء خافت تحول بعده إلى ظلام، وتبين لنا أن السيارة أخذتنا إلى عمق الأطراف الصحراوية لدولة الكويت.. تمتم السائق بخجل.
- ياه ..إيه ده.. أحنا اللى جابنا هنا.. أحنا على الحدود العراقية.
أغلقت هاتفى وعدت إلى الفندق مقر إقامتى.

5-
يتساءل خالد زميلى المراسل المشارك فى مهمة التغطية الانتخابية عن الوقت الطويل الذى قضيته فى ندوة اسيل العوضى، ويجيب قبل أن أرد:
لا توجد مرشحة كويتية من 16 مرشحة تستحق أن تقضى من أجلها كل هذا الوقت فكلهن راسبات من الآن والمجتمع الكويتى بتركيبته المذهبية والعرقية وشديدة الذكورية لن يسمح لامرأة كويتية بدخول قاعة عبد الله السالم، وأنا أعرف ما أقول لأنى عشت فى الكويت أكثر مما عشته فى بلدى مصر الكويت أعرفها ظهرا عن قلب منذ كنت طفلا وصبيا ثم دخولى كلية الإعلام فى جامعتها بعد حصولى على المركز الأول فى الثانوية العامة لأعمل صحفيا فازداد كشفا لطبيعة هذا المجتمع.
كان حديثه أمام فريق المهمة الإعلامية وأمامهم أيضا أعلنت بهدوء أن اسيل العوضى ستدخل مجلس الأمة الكويتى هذه المرة.
استفز هدوئى خالد فأعلن بعصبية وتحدى.
- لن تفوز امرأة وبين وبينك رهان مفتوح لا سقف له.
وافقت رغم نظرة هولاكو التى تدعونى بألا اندفع.
كنت أرغب فى كسب الرهان لكى أنتصر على وسام صديق خالد منذ طفولته وحتى تخرجه من الجامعة كان وساما لا يغادر خالد طالما كان متواجدا فى الفندق يتحرك مع خالد أينما ولى فإذا جلس على مائدة تتوسط الصالة جلس جواره، وإذا انتقل ليجلس على أريكة تواجه التلفزيون انتقل معه، يبتسم متى ابتسم، ويعلق مؤيدا على الفيلم متى علق.
ما يغيظ أكثر عندما كان يتحدث عن مصر، كان يعلن كراهيته ولا يستثنى شيئا، الناس والشوارع والبيوت والزحام والنيل والمرأة، كل شىء يراه فى مصر متخلفا وكان يفخر بأنه لم يسافر إلى مصر منذ أحد عشر عاما وأنه لا يفتقدها وأخذ قرارا بأن يعيش حياته إلى آخرها فى الكويت وأن لا يتزوج عقابا لأمه التى رفضت أن توافق من الزواج من حبيبته الشامية وخيرته بينها وبين حبيبته فاختار أمه.
كان يسب إيران وحزب الله وسوريا والعراق والسودان وعبد الناصر.
وأمام دهشتى من حديثه مال باتجاهى حاتم المصور وأخبرنى أن وسام لا يستطيع دخول مصر إلا بعد أن يكمل الثلاثين لتهربه من الخدمة العسكرية.
تركتهم فقد تذكرت دعوة شقيقى الأصغر الذى يعمل كيميائيا منذ عشر سنوات وصفت للسائق العنوان فأكد كعادته على سهولته.
انطلق من ناحية شارع الخليج، الشارع الأجمل فى دولة الكويت بنعومته وسيولة المرور وحاراته المنتظمة المغرية بتجاوز السرعة المحددة وما يمتعك أكثر ذلك النخيل المغروس بشموخ ناحية البحر.
كان كل شىء جميلا خاصة وأننى سألتقى بأطفال أخى الذين كبروا لذا لم انتبه للرياح الخفيفة التى بدأت تهب من الغرب لكننى انتبهت حينما بدأت تزداد بجنون لتحمل فى موجات متتابعة أتربة وغبار تنفضهما مع كل موجة فى وجه المدينة.
أصبح السير صعبا بل مستحيلا لم تشفع الإنارة الباهرة على جانبى الطريق لقشع أطنان الأتربة التى ملأت أجواء المدينة وأنفاس الناس.
سألت السائق من أين جاء الغبار ومتى يرحل؟
جاء رده مستغربا دهشتى:
- عادى.. الطوز الكويتى يجى من غير استئذان ويمشى من غير سلامو عليكم.
أغلقت تليفونى وعدت إلى الفندق مقر إقامتى.

6-
تحت الشمس بذراع جرت وقائع يوم التصويت الانتخابى الرجال يبدو عليهم الملل والنساء تتواجد بكثافة كأنه فرح والنتيجة بعد الفجر بقليل.
استيقظت على صراخ يصدر من صدر هولاكو كان نائما فأيقظته وعندما اعتدل قال بصوت ممتلئ بالثقة:
- هل تعلم أن محسن وحاتم يتآمران على فى هذا التوقيت؟
أعلنت استغرابى وقبل أن أوبخه قال:
- هتسألنى ازاى عرفت هقولك من بطنى اللى أنتى بتسميها القوى الباطنية، تحرك فى حجرته محاولا أن يتماسك تم تحدث معلنا خبرا هاما:

- أنت ستكسب الرهان وارحمنى من أسئلتك المملة عرفت ازاى وليه واثق من كلامك.. باختصار أنا عرفت من بطنى.
نظر باتجاه شقة محسن وحاتم وبدأ فى الصياح.. آه لو أعرف بيفكروا فى أيه أولاد الأبالسة.. لكن على مين أنا هولاكو.. أنا هولاكو.

استيقظ هيثم على صراخه وقف فى مواجهته ثم ابتسم وغادره ليستعد للخروج لرصد إعلان نتائج الانتخابات. كان السائق بانتظارنا أمام مدخل الفندق أحس هولاكو بنعومة الطقس فى هذا التوقيت أخذ شهيقا عميقا وتمتم.. نهارنا أبيض ثم ركب جوار هيثم من الخلف.
كنت منشغلا بوصف العنوان للسائق ليخبرنى كعادته بألا اقلق ويذكرنى بأنه يعيش فى الكويت منذ 18 سنة.

يقطع هولاكو حديثى مع السائق قائلا:
ستفوز اسيل العوضى وتكسب الرهان وسنحتفل بفوزك ووقتها أغيظ حاتم ومحسن
انطلق السائق فرحا بالشوارع النائمة ادار جهاز راديو السيارة فخرجت أغنيات إيقاعية وطنية رقص على إيقاعها هولاكو بعد أن أخرج نصف جسده من السيارة وأخذ يردد بصوته الصاخب كلمات الأغنية.
وطنى الكويت.. وطنى الكويت..
وأضاف بالإيقاع نفسه:
هنكسب الرهان.. هنكسب الرهان





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة