لم تكن هى المرة الأولى التى أتوقف فيها أمام صورة المهندس شريف كمال الدين حافظ وهو يستمع إلى نطق الحكم بإعدامه، بعد قتله زوجته علية يحيى طنطاوى، وابنته داليا، وابنه وسام.
فى كل مرة كنت أنظر إلى صورته التى يبدو منها وسيما، ومعرفة المنطقة التى يسكنها وهى النزهة، ونوع دراسته والمستوى الاجتماعى الذى يعيش فيه، كنت أسأل: ما سر هذا الرجل اللغز الذى قرر فى لحظة واحدة التخلص من زوجته، وابنه مهندس الكمبيوتر ابن الـ 28 عاما أى سن الحيوية والفتوة؟ حمل الأب بلطة ونظر إلى ابنه نظرة وداع ثم نفذ جريمته بإرادته، واكتملت مهمته الشيطانية بقتل زوجته وابنته الجميلة وعمرها 26 عاما التى تحمل ليسانس الآداب، رحلوا جميعا بإرادة الأب وبطريقة وحشية تنم عن قلب ميت وعقل غائب عن أى ذكرى جميلة جمعته مع أسرته منذ بدأ فى تكوينها، رحلوا وبقى هو منتظرا لحظة رحيله ولكن بوسيلة أخرى هى الموت إعداما بحكم قضائى.
المهندس شريف قام بجريمته فى يناير الماضى، وفى العلن اعترف بها كاملة ولم ينكر منها أى شىء، وقال إنه يوفر الجهد على أى جهة تريد تبرئته، ورفض كل حجج الدفاع فى محاولة إثبات أنه ليس طبيعيا من ناحية القوام النفسى، وأن من يقدم على مثل هذه الجريمة لا يمكن أن يكون طبيعيا.
أكد كمال أنه خطط ونفذ جريمته وهو يعى تماما ما يفعل، والسبب كما قال خسارته فى البورصة لكل أمواله وقيمتها مليون جنيه، مما جعله شخصا فقيرا لا يستطيع تلبية أبسط متطلبات الحياة بعد أن كان يعيش هو وأبناؤه فى يسر وفخامة، وقال إنه أمام عجزه لتلبية متطلبات أبنائه، قرر تخليصهم من الفقر المنتظر لهم، الفقر الذى لم يطقه، فرأى باسم الحب لأبنائه أنه لا يريد لهم حياة بائسة هى حياة الفقر، ولا يتصور أنه يمكن أن يعيشوها لحظة واحدة.
إجابات الرجل التى أظهرته مسكينا فى حال، ومتطرفا أو مجنونا فى مشاعر حبه نحو أسرته فى حال آخر، ومجرما فى كل الأحوال، تطرح السؤال: هل يذهب الفقر مذهبه بالناس فيقررون التخلص منه ومن ضحاياه بهذه البشاعة.. ولا فرق فى ذلك بين من بلغ درجة متقدمة فى التحصيل العلمى، وبين من فشل فيه، وبين من يعيش فى منطقة راقية مثل النزهة وفى يديه ما تيسر من المال، ومن يعيش فقيرا فى حى شعبى أو نجع من النجوع وربما لا يجد حتى قوت يومه؟
سؤال الفقر والتخلص منه يبقى سؤالا أزليا يلاحقنا جميعا، ونذهب فى الإجابة عنه مذاهب شتى، هناك من يتغلب عليه بالعمل والأمل، وهناك من يتغلب عليه بالالتفاف على أى قيمة شريفة كالسرقة والطمع فيما هو فى يد الآخرين، وهناك من يستسلم إلى قدره كاملا، فيعيش حياته كما هى منتظرا وجه ربه الكريم، لكن أن يذهب أحد إلى قتل فلذة كبده ليخلصهم من الفقر، فهذا هو الاستثناء الذى يخلع القلوب من مكانها، والاستثناء الذى يقول لنا إنه ليس من الصحيح أن نفنى عمرنا وجهدنا من أجل الآخرين حتى لو كانوا أبناءنا أو حتى إخوتنا بالدم، وحين تأتى النتائج بما لا نتوقعه فلا يوجد أمامنا غير لغة التصفية الجسدية، تلك اللغة التى أصبحت عنوانا متسعا لتصفية الخلافات بين ذوى القربى.
شريف كمال الدين حافظ هو عنوان بائس لطبيعة التحولات التى نعيشها منذ سنوات وتدهس كل شىء جميل فى حياتنا، هو عنوان دقيق لضياع قيمة الحب والعطاء، تلك القيمة التى يحترفها آباء وأمهات وأخوات وأصدقاء وبشر فقراء وأغنياء على حد سواء، هو عنوان لانفراط قيمة العمل، وضياع الثروة بسهولة فى اللحظة التى نحلم فيها أن تتضاعف مرات ومرات، هو عنوان للآية الكريمة التى وجهتها له المحكمة فور نطق الحكم بإعدامه، وسقطت الدموع من عينيه بعد سماعها: «ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم».. صدق الله العظيم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة