انشغلت الحكومة وانشغل معها الناس بخطط سرية وعلنية ونصف مقلية لمواجهة وباء أنفلونزا الخنازير، ولا تثريب على الخطط ولا على المخططين. لكن الحكومة نسيت نفسها ومن معها ونسيت المواطنين، وتركت الزبالة فى الشوارع والمجارى تضرب وأكوام القمامة تكاد تنافس الأبراج السكنية علوا والمقابر رائحة. وإذا سألت سوف يأتيك الجواب سريعا بأننا متفرغون لمواجهة الوباء العالمى فى المطارات والشوارع والمستشفيات. ومشغولون بتطبيق الخطط الرهيبة لمنع دخول أو انتشار الفيروس المحور أو الأصلى..
ولا مانع من هذا لو كانت الخطط تسير حسب الخطط الموضوعة أو المشمومة. لكن كمية الزبالة التى تملأ الأجواء والذباب الذى يصول ويجول حولها وفوقها لينقل كل الأمراض المعروفة والمجهولة، يكاد يضحك ويقهقه وهو يسمع عن خطط المكافحة. يتحدثون عن تطهير المترو فى كل جولة، وهم عاجزون عن تطهير الشوارع من القمامة، ومنع أو مكافحة الذباب بوصفه أقدم ناقل أمراض فى التاريخ. يجهزون لحماية الحدود من الفئران الليبية حاملة الطاعون ويتجاهلون فئران ترعى وتصول وتجول فى كل أحياء مصر المعروفة وغير المعروفة الغنى منها والفقير. وتكاد الفئران تخرج لسانها لخطط مواجهة الطاعون، وجيوش مقاومة الخنازير.
كل هذه الخطط المعلنة تدور غالبا فى المؤتمرات الصحفية، وأمام كاميرات التلفزة وأضواء الفضائيات، ويتحدثون عن الخطة جيم، والطريقة صاد، والمربع التربيعى للمواجهة التكعيبية. بينما "السيستم" نفسه أصابته أنفلونزا الإهمال، وطاعون الفساد، يزعمون مواجهة وباء محتمل ويتركون أوبئة متوطنة، غير مشغولين بالكبد الوبائى والفشل الكلوى، والسل والجرب وأمراض ودعت العالم، وما تزال تصادق المواطن وتطلع له فى الصحو والمنام. أعدمنا الخنازير وعجزنا عن إعدام الذباب أو منع القمح الفاسد أو إيقاف غش اللحوم.
يفترض أن الخطط تهدف إلى حماية البنى آدم، لكننا نرى خططا تحرص على اغتيال المواطن فى كل لحظة. خذ عندك: سقوط عمارة تحت الإنشاء فى الهرم ومقتل خمسة وإصابة أثنى عشر، نقص حاد فى عدد الأسرة بالمستشفيات، ونقص الأدوية وخلو مراكز الصحة من الشاش أو القطن ناهيك عن الأسبرين. فهل نواجه أنفلونزا الخنازير إن كانت حقيقة، ونحن عاجزون عن علاج الزائدة أو تنظيف الجروح، أو إغاثة مصاب فى حادث.
والأمر ليس فقط متعلق بالصحة لكنه يمتد إلى كل الأجهزة، التى تلعب لعبة من هو مستعد فإذا جاءت اللحظات الحاسمة تتوه وتفقد التركيز. والدليل أننا أصبحنا الدولة الأولى فى العالم من حيث عدد وحجم واتساع الإصابة بأنفلونزا الطيور. فقدنا الثروة الداجنة وأكبر عدد من الضحايا. توطنت عندنا الأنفلونزا، فهل نصدق عندما يقولون لنا إنهم يقاومون ويستعدون، بينما نرى أنهم عجزوا عن تنظيف الشوارع ورفع القمامة ومكافحة الذباب. ولا نظن أن الذباب ضمن خطط للجنة العليا لمكافحة الوباء المحتمل. أو أنه تم توظيفه فى وزارتى الصحة والبيئة مع القمامة لتكوين حائط صد لمنع الوباء والتهام الفيروس.
ومع كل هذه القمامة وهذا الذباب نرى الحكومة وكأنها أنهت كل الاستعدادات ولم يبق أمامها سوى المقابر الجماعية، لدفن الضحايا عند حلول الوباء.. مع أنهم عاجزون عن إزالة المزابل الجماعية، التى تتوالد ويتوالد معها الذباب. وهى أشياء تكفى لقتل المواطنين بدون وباء وبلا أى مجهود. ومع هذا فكل الخطط تسير حسب الخطة الموضوعة، التى لا نعرف أين وضعت.