فى لقاء لى بالوزير السابق المحترم الدكتور ممدوح البلتاجى، سألته عن قصة أرض سياج، التى قرر سحبها من المستثمر الذى اشتراها، ودور رئيس الوزراء السابق عاطف عبيد فيها، أجاب باقتضاب وضيق «بلاش.. بلاش» كانت الاجابة ضمن سؤال أوسع عن تقييمه لرؤساء الوزراء السابقين الذين عمل معهم وهم الدكتور عاطف صدقى، والدكتور عاطف عبيد، والدكتور كمال الجنزورى.
قال البلتاجى كلاما طيبا عن صدقى والجنزورى، لكن قسمات وجهه التى تشكلت بضيق لافت فور أن جاء ذكر اسم عاطف عبيد كانت كافية للتعبير عن رأيه فى الرجل الذى تولى رئاسة الحكومة خلفا للدكتور كمال الجنزورى، ومع عبيد منذ أن كان وزيرا لقطاع الأعمال قبل أن يكون رئيسا للوزراء عرفنا أوسع عمليات لبيع كل شىء، من شركات قطاع عام وأراض وخلافه، كنا نستيقظ صباحا على صفقات للبيع غير مفهومة، وكان شعار البيع هو الحاكم فى كل شىء، وكأنه خلق لمصر دون غيرها من باقى الدول، وعام المصريون فى بحيرة كاذبة من التصريحات الخادعة مثل «تطلع دول العالم إلى دراسة التجربة المصرية فى الخصخصة!»، و«مجىء المسئول الفلانى والعلانى من دولة كذا وكذا للاجتماع بالمسئولين المصريين ليعرف عبقرية تطبيق الخصخصة فى بلادنا!»، لم نسمع وقتئذ عن مسئول دولى جاء إلى مصر ليعرف كم شيدنا، وكم بنينا مصانع تنتج، وكم عمالة جديدة أضيفت.
كان ذلك يتم فى الوقت الذى تزداد فيه معدلات الفقر بسبب خصخصة عبيد، ويتم فيه تسريح العمالة لتزداد بفضلها طوابير البطالة، ولم نعرف خلاله مشاريع إنتاجية ذات قيمة تذكر، المهم أن البيع كان سيد الموقف فى كل شىء، وكان التشهير والاتهام بـ«الموضة القديمة» هو نصيب من يحذر من هذه السياسات التى كانت تخفى تحت السطح كوارث هائلة، وفضائح معيبة لم نشهد مثلها من قبل، مثل قضية بيع أرض سياج التى تنتهى كارثتها الآن بحكم دولى يطالب الحكومة المصرية بدفع 750 مليون جنيه تعويضا لوجيه سياج، لقيامها بسحب الأرض منه، بعد أن توفرت معلومات عن قيامه بالدخول فى مشاركة مع مستثمرين إسرائيليين للقيام بمشروعات عليها، وكان ذلك فى حد ذاته دليلا على أن «سياج» كان ستارا للإسرائيليين.
اشترى «سياج» الذى يحمل الجنسية المصرية قولا لا فعلا، ربع مليون متر ناحية طابا على امتداد ثمانية كيلو مترات بسعر المتر 150 قرشا، وتم البيع دون دراسة كافية لمن يشترى هذا المستثمر كل تلك المساحة؟، ودون معرفة حكومية بطبيعة نشاطه، ودون توقف أمام خطورة المنطقة التى يشترى فيها من الناحية الأمنية.
تراجع كل ذلك أمام رغبة مجمومة من الحكومة بقيادة عبيد فى البيع، للتباهى بأنها تفتح الطريق أمام الاستثمار، حتى لو كان استثمارا مدموغا بخاتم الإسرائيليين الذين يخططون للعودة إلى سيناء بطرق ملتوية مثل الاتفاق مع «سياج» ومن على شاكلته.
المهم أن القصة أخذت أبعادا أخرى تمثلت فى إلغاء التخصيص بقرار رئاسى لدواع أمنية، وفى عام 2003 تم تخصيصها لشركة غاز شرق المتوسط، وبعدها بدأت جولات التحكيم الدولى لتنتهى بكارثة الحكم الأخير، الذى قضى بتغريم مصر 750 مليون جنيه تدفعها من جيوب الشعب المصرى الذى يدفع الضرائب دون رحمة، ودون قلب.
عظيم ان تستيقظ أجهزة الدولة لوقف الخطر، وعظيم أن تتخذ الإجراءات التى تحمى حدودنا، وعظيم أن تكتشف أصل وفصل وجيه سياج، لكن مايدعو إلى البؤس وضرورة الحساب، هو كيف تصرف الدكتور عاطف عبيد على هذا النحو الذى أدى إلى تكبد خزينة الدولة 750 مليون جنيه؟، وكيف يحق له التباهى بما فعل؟ وكيف يحق له الإطلالة على صفحات الصحف بين الحين والآخر، ليلقى علينا دروسا فى الاقتصاد والسياسة، دروسا لا تسمن فى شىء.
القضية تحتاج إلى فتح الملفات المسكوت عنها فى عمليات الخصخصة التى تمت فى عهد عبيد، فربما نجد فيها أكثر من سياج.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة