عفوا.. أنا لا أتكلم عن الوحدة الوطنية ولا مائدة رمضان التى يجتمع عليها الصليب مع الهلال من أجل طبق خشاف، وبالطبع لا أنوى الحديث عن حسن ومرقص، أو تلك الصورة الباهتة التى يحتضن فيها شيخ الأزهر البابا شنودة قائلين للمصوراتى صور بسرعة يابنى عشان نقول للعالم إننا نسيج واحد، لا أتكلم عن كل هذا، لأن هذا النسيج يتمزق مع أول مقص ويدوب من أول غسلة لا لشىء سوى أنه تايوانى مضروب وتمت صناعته لزوم الاستعمال التليفزيونى، وإلا بماذا تفسر لى تلك الإجابة المحفوظة لأى مسلم يسمع أن قبطيا يشكو من الاضطهاد أو عدم تكافؤ الفرص، طبعا أنت لست فى حاجة لكى أردد على مسامعك نص الإجابة لأننى أشعر بك الآن تنطق بها قائلا: (اضطهاد.. اضطهاد إيه يا أستاذ دول أفضل أقلية واخدة حقها فى التاريخ، اضطهاد إيه يامحترم دول عايشين فى البلد آخر نعنشة وواخدين حقهم أكتر مننا).
وهل فى الدنيا كلها اضطهاد أكثر من تلك الإجابة، التى تنفى عن كل قبطى مصرى صفة المواطنة وتمنحه لقب الضيف الذى يدخل بند إكرامه تحت سقف الصدقة، أنا لا أبرئ الكثير من أقباط مصر من تعمدهم نشر مناخ الفتنة باصطناع حواديت خيالية ونشر الإيمان بأن البلد بلدهم وما المسلمون إلا غزاة عرب، أنا أصلا لا أبرئ الجميع من هذا المناخ الطائفى الذى يتحايلون عليه بحضن البابا وشيخ الأزهر وكأنهم سيصلحون بين زوج وزوجته بصورة حميمة قديمة ستتقد مشاعرهما حينما يتذكران لحظة التقاطها.
أنا مع الحلول القاطعة مع ضربة السيف التى تمزق فستان الميوعة، أنا مع غضب الأقباط دفاعا عن حقوقهم الضائعة، لأننى مثلا إن كنت مواطنا قبطيا فلن أنجح فى السيطرة على أعصابى كلما دخلت إلى مكتبة الإسكندرية واتجهت نحو الرف الذى تعلوه لوحة تقول إن هذا قسم الكتب المسيحية ولا أجد على الرفوف سوى كتب تحمل هذه النوعية من العناوين («الجنس فى التوراة وسائر العهد القديم»، «نقد التوارة»، «التوارة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير»، «ماذا تعرف عن المسيحية؟»، «مسألة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء للشيخ المسلم أحمد ديدات»، « هل بشر المسيح بالنبى محمد»).
أرجو أن تتخيل نفسك ولو للحظة مواطنا مسيحى الديانة، تدخل إلى أهم وأكبر مكتبة فى بلدك، ولا تجد فى رفوفها الخاصة بدينك سوى هذه الكتب التى ألفها مسلمون أو تتحدث عن التوراة أو تنال من أساسيات العقيدة المسيحية، كيف سيكون شعورك؟ هل تريد أن أكون صريحا معك وأخبرك بأنه سيكون مثل شعور المسلم الذى يمنعه الآخرون من قراءة القرآن بصوت عال فى الميكروباص فيتهمهم بالكفر، أو المسلم الذى يتهم مدارس الراهبات بالتبشير والتنصير لأن مكتباتها لا تحتوى على مؤلفات إسلامية تقول بأن الإسلام هو الدين الحق وكفى.. هل تريد هذه الصراحة، أم أنك ستكتفى بما قاله لى أحد الموظفين بالمكتبة: (متكبرش الموضوع أوى كده يا أستاذ فيه كتب مسيحية كتير فى الأرشيف الإلكترونى).
أرجوك حاول أن تجيب عن الأسئلة القادمة بضمير.. أليس من حق المواطن المسيحى أن يجد كتب البابا شنودة والأناجيل وكتب أبونا متى المسكين وغيرها من كتب العقيدة المسيحية وتاريخ المسيحية فى مصر على هذه الرفوف؟ أليس من حق المسيحيين أن يغضبوا إن لم يجدوها؟
صدقنى أنا كنت مثلك تماما حينما جاءتنى هذه الشكوى على البريد الإلكترونى من أحد أقباط مصر، حذفتها وقلت هى ناقصة مزايدة، ولكن مع أول زيارة لمكتبة الإسكندرية ذهبت إلى الرف نفسه فوجدت الكلام بجد وبحق وحقيقى، وشعرت باضطهاد حقيقى يعانى منه إخوة لنا فى هذا الوطن نشاركهم ويشاركوننا نفس الآلام ونفس المصير.. فهل تسمح لى بألا ترد على أى شكوى بالاضطهاد من أى قبطى مصرى، بأنه يعيش فى نعمة عمره ماكان هيطولها فى بلد تانى؟ أرجوك احذف الإجابة دى من قاموسك احتراما للبلد الواحد الذى تجمعنا شوارعه وكوارثه!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة