منال العيسوى

أنا مش كافر

الإثنين، 29 يونيو 2009 10:58 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنا مش كافر بس الجوع كافر.. أنا مش كافر بس المرض كافر.. أنا مش كافر بس الفقر كافر والذل كافر.. أنا مش كافر لكن "شو بعملك إذا اجتمعوا فىّ كل الأشيا الكافرين".

مع صوت زياد الرحبانى تأملت وجهه الواهن ونظرة عينيه الشاردة تبحث فيمن حوله عن لحظة صدق حقيقية للمشاعر الإنسانية حين يصبح الموت رغبة حقيقة وسبيلاً وحيداً للراحة.. لم يبالِ بأى شىء.. لم يلتفت لهمس العقل أوالدين أو الأمل فى رحمة الله.. فقرر أن يهب الرحمة له ولأسرته لكن بطريقته الخاصة، والتى وصفها البعض بالكفر والبعض الآخر بالجنون.

لكن بقليل من الإحساس والمشاعر يمكنك أن تضع نفسك مكان شريف كمال الدين لتعرف معنى الألم الذى نخر فى جسده وشل عقله عن التفكير ليقع أسير قلبه الذى عشق وأحب لحد الموت والجنون ولن تستطيع..

سترى عين شريف وهى تنادى كل من حوله، وتحلفهم بكل الديانات وتناشد الجميع، أن يدركوا مدى ألمه وحزنه ويعرفون أنه لا يوجد بينهم من أحب أسرته كما أحب هو داليا ووسام وأمهم عبلة، ليعرفوا أنه اختار الموت حلا، اختار الموت بديلا صعبا وليس سهلا كما ظن البعض.

28 عاما يشاهد ابنه وسام أمام عينيه، والرجولة تنحت جسده وتشكل ملامحه ويستمع لحديثه وداليا التى تصغره بثلاث سنوات التى تملك من الجمال ما يكفيها ليدق بابها يوميا عريس واثنان ويالفرحة قلبه هو وأمهما التى رافقتهم فى البسمة والفرحة والمرض والنجاح.

تفاصيل ثلاثين عاما ما بين الفقر وذله والبورصة وخداعها.. ثلاثون عاما يلعب به الزمن دور شطرنج يراوغه بالطابية ويطارده بالحصان وثقيل بوزن الفيل، ثلاثون عاما يضع خطة نابليون للفوز بأقل الخسائر وفى أسرع وقت وبأقل النقلات. ثلاثون عاما يحلم بالأمان، لكنه فجأة وجد نفسه على رقعة الشطرنج بلا وزير يحميه أو عسكرى يجعله كبش فداء.. ثلاثون عاما ورقعة الشطرنج لون واحد بلا خانات، يحاول أحيانا أن يكون طرفا فى اللعبة، لكنه طوال الوقت كان يقع أسيرا للمنطقة الرمادية التى تختلط فيها كل الألوان الأبيض والأسود.. ثلاثون عاما يبحث له ولأسرته عن دور شطرنج ينتهى لصالحه..

شريف كمال الدين مهندس وضع خطته المضادة لخطة الزمن الردىء، والأكلشيهات الرنانة، وضع خطته بإحكام على أربع نقلات كما فعل نابليون ليظل طوال الوقت هو الملك والوزير والطابية والعسكرى.. لم تكن زوجته وابناه الاثنان سوى طيور نورس تحوم حول قلعته ويعششان بها..

فكانت النقلة الأولى وهو يجلس وحيدا شارد الزهن فى الغرفة المظلمة وعلى أحد الطرفين "لكنبة أنترية فخم" وأمامه طاولة عليها كاسيت قديم يستمع إلى أفضل أغنياته قصة الأمس لأم كلثوم.. كنت لى أيام كان الحب لى. تعبث بعقله الأفكار ما بين ذل العيش بدونه والديانة تطاردهم والفقر رفيق لهم.

فقرر وهو تحت تأثير المرض اللعين الذى يسمى الحب، وهو ما يصبح المصاب به مريضا فى زمن يجفوا على الجميع بنعمة الإحساس بالآخر، قرر أن يترك إرثه الوحيد للجميع علهم يدركون يوما جزءا من إحساسه، قرر أن يخلصهم من الحياة ببلطة تنهى مهمتها فور ارتطامها بهم.. قتل الأم والابن والابنة.. وقرر أن يحرك النقلة الأخيرة للدور ليموت الملك فانتحر.. لكن الموت لم يسعفه وتم إنقاذه ..عذاب غرفة السجن كان أشد من مقصلة الجلاد عليه وهو وحيدا يسمع بأذنه اتهامه بالكفر والجنون، اختار الصمت وسط ضجيج الإعلاميين والقضاة وإللى بيصلوا الأحد وإللى بيصلوا الجمعة مستكينا لنصائح الهداية والتوبة إلى الله قبل قرار الإعدام الصادر بحقه، أحس بالغربة بعيدا عن زوجته وأولاده، اشتاق إليهم، فالحياة مستحيلة بدونهم فقرر الذهاب إليهم برغبته هو، ولم يقبل أن يذهب إليهم بقرار محكمة، فالقرار لم يمنحه الجديد، القرار أكد أنه لابد وأن يذهب إليهم، ربما طال الزمن على فراقهم فتمكنت رغبته فى الموت منه ومات وذهب إليهم الأحد الماضى، راقدا بجوارهم مستكينا آمنا، فكل ما يحتاجه بجواره الزوجة والأولاد.

منذ الوهلة الأولى للجريمة وأنا أقرأ فى عين الأب ما كان يضعنى دائما فى حيرة من أمرى وحال هذا البلد الذى جعل الحياة تهون على الناس، جعل البسمة والفرحة عزيزة لا تتوفر بسهولة.. عجيب أمر هذا البلد يجعلنى أحب فقط ومن الحب ما قتل.. كما تغنّى زياد
أنا مش كافر بس الجوع كافر
أنا مش كافر بس المرض كافر
أنا مش كافر بس الفقر كافر والذل كافر
أنا مش كافر لكن شو بعملك إذا اجتمعوا فىّ كل الأشيا الكافرين








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة