قل لى أنت، ما الذى يغرى الفرنسيين بإنشاء قاعدة عسكرية فى الإمارات العربية المتحدة على الشاطئ الغربى من الخليج العربى؟ وما الذى يحرص عليه البريطانيون من الوجود العسكرى واسع المدى على أراضى سلطنة عمان؟ ثم ما الذى يغرى الأمريكيين بقاعدة حربية فى قطر وقواعد عسكرية أخرى متعددة الإمكانيات والغايات والمهام فى المملكة العربية السعودية؟
ضد من تستعد هذه القواعد العسكرية الغربية الممتدة فى ربوع الخليج العربى؟ أى عدو محتمل هذا الذى ينفقون من أجله المليارات على القواعد والمعدات والجيوش والتدريب بعيدا عن الأراضى الأوروبية والأمريكية؟
ثم قل لى أنت: ما مصلحة هذه البلدان العربية (المستقلة) فى أن تفتح أراضيها جهارا نهارا للجنود الفرنسيين والبريطانيين والأمريكيين فى احتفالات عامة وعلنية وبمشاركة رؤساء هذه البلدان وملوكها من أصحاب الفخامة والجلالة والعظمة من قيادات العالم العربى؟
قل لى أنت: من هذا العدو المشترك الذى يبيع من أجله بلد عربى جزءا من سيادته على أراضيه لصالح قوى أخرى تأتى بعتادها وعسكرها لتستقر لسنوات بلا نهاية على أراض عربية؟
ثم قل لى أنت أيضا من فضلك: كيف تحولت خطيئة إنشاء قواعد عسكرية تستحق التحرك فى سرية وخجل وخزى، إلى عمل تنعقد له الاحتفالات والمهرجانات كما حدث فى دولة الإمارات العربية المتحدة، ويقف رئيس الدولة العسكرية الأقوى مع رئيس الدولة العسكرية الأضعف فى مراسم (قص الشريط) للقاعدة العسكرية وكأنهما يفتتحان فرعا لشركة أدوية أو متجر لبيع الحلوى؟
كيف تحول عمل يجلب العار إلى فعل يحفز على الاحتفال والبهجة، وكيف صارت إقامة القواعد العسكرية للقوى الغربية من الإنجازات التاريخية لعدد من القادة العرب فى وقت لم يعد فيه عدو للغرب إلا فى العالم الإسلامى، فى إيران أو فى العراق، أو فى أفغانستان أو حماس أو حزب الله؟
هى أسئلة مقيتة ومؤلمة وبلا إجابات، أو لنقل أن إجاباتها أشد إيلاما وقسوة إلى الحد الذى نتواطأ فيه سويا على التزام الصمت حيالها دون أن نفكر فى إجابة، ودون أن نطرح السؤال من الأساس.
اسمح لى أن أقول لك أنا هذه المرة إن إقامة هذه القواعد العسكرية تخالف كل ما نعرفه عن المصالح الاستراتيجية العربية، وعن الأمن القومى العربى، وتتقاطع مع كل دروس التاريخ بل مع كل مفاهيم الوطنية والسيادة والاستقلال، وقد أجزم أنه لا يوجد شىء مما يفعله القادة العرب حاليا من هؤلاء الذين تستضيف بلدانهم هذه القواعد، ينطبق عليه وصف الاستقلال، أو يحقق حتى المصالح القصيرة لبلدانهم الصغيرة، سواء على المستوى الوطنى أو على المستوى العربى العام.
إن كانت الإمارات العربية المتحدة تستهدف إيران على وجه التحديد بهذه الخطوة المفزعة، فإنها بذلك تصير كمن استنجد من الرمضاء بالنار، فالغرب أيا كانت وداعته الظاهرة للإماراتيين اليوم، فلن يكون يوما أقل خطرا من إيران، ولن تكون مصالح إيران أكثر تطرفا من مصالح القوى العسكرية الغربية، وأيا كانت الضمانات التى اطمأن إليها قادة أبوظبى فى الإقدام على قرار إنشاء هذه القاعدة العسكرية فإنهم، وبلا جدال، قد رهنوا بلادهم فى دائرة أخرى من المصالح العسكرية الغربية أوسع وأعقد مما قد يتصورون هم أنفسهم عن تطورات الموقف فى السنوات المقبلة أو فى المستقبل البعيد.
الآن، لم تعد الجزيرة العربية سوى قاعدة عسكرية غربية كبيرة من الشاطئ الشرقى للبحر الأحمر وحتى الشاطئ الغربى للخليج العربى، ورغم ذلك ما زلنا نستمع إلى كلمات بائسة وساذجة من صنف (العمل العربى المشترك)، و( الأمن القومى العربى)، و(المصالح العربية المشتركة)، وما زلنا نصدق هؤلاء القادة حين يصرخون غضبا فى مؤتمرات القمة العربية داعين إلى دولة فلسطينية وإلى نهاية الهيمنة والبطش الإسرائيلى، ثم هم يجعلون من بلدانهم ربوعا للقوى الغربية الأكثر قربا من إسرائيل، والأكثر حرصا على الأمن الإسرائيلى، والأكثر نهما فى الهيمنة والسيطرة والبطش.
يملؤنا اليأس حتما عندما تبدو هذه الأراضى العربية محرمة على الجيوش العربية لكنها مفتوحة إلى الأبد لجيوش الغرب، ويغمرنا الخجل يقينا حين يتصور حفنة من أهلنا أن حمايتهم هى فى البنادق الأجنبية والجنود من ذوى الشعر الأصفر، ثم يعاندون لعقود طويلة فى بناء منظومة دفاع عربى مشترك، أو حتى فى تأسيس دستور للتفاهم تحت مظلة الجامعة العربية التى لم تعرف إلا الخلافات والاتهامات المتبادلة والشتائم والهرولة نحو المعسكر الغربى فى السراء والضراء.
ما يجرى على أراضى العرب يتجاوز المنطق وينذر برعب أعمق فى مفاهيم الأمن فى الشرق الأوسط، هذا المفهوم صار مشوشا وغامضا ومفككا، لم تعد تعرف ما الذى يخصنا منه كمواطنين عرب، وما الذى يخص الفرنسيين والبريطانيين والأمريكيين منه كشعوب أخرى بأولويات وطنية مختلفة، والأمر يتجاوز حدود الإحساس العاطفى البائس والمحبط من هذا الافتتاح الأسطورى للقاعدة الفرنسية فى الإمارات، فالإحساس بالعار ليس هو الثمن الوحيد، بل الموت والخراب المحتمل أيضا الذى قد نتحمله هنا على أراضينا فيما شعوب أوروبا آمنة مستقرة، وجيوشها تحارب معاركها الأساسية على أراض أخرى عبر البحر.
هوامش..
اتفاقية الدفاع العربى المشترك
فى 1950 أبرمت الدول العربية اتفاقية جديدة حملت اسم اتفاقية الدفاع العربى المشترك، وقد كان مقصودا بهذه المعاهدة وقت إبرامها الدفاع عن الدول العربية ضد العدوان المؤكد والمتوقع من جانب إسرائيل، ويتكون مجلس الدفاع المشترك المشار إليه من وزراء الخارجية والدفاع الوطنى للدول المتعاقدة أو من ينوبون عنهم. وما يقرره المجلس بأكثرية ثلثى الدول يكون ملزما لجميع الدول المتعاقدة.
وقد تضمنت اتفاقية الدفاع العربى المشترك نصوصا تجعل من الاعتداء على دولة اعتداء على جميع الدول أعضاء الاتفاقية، وتلزم الدول بالتشاور فيما بينها فى حالة وجود تهديد لأمنها وتلزمها بدعم قدرتها العسكرية.
القاعدة الأمريكية فى قطر
تستضيف قطر أهم بنية تحتية عسكرية أمريكية فى المنطقة، وفيها يوجد المقر الميدانى للقيادة العسكرية المركزية للمنطقة الوسطى من العالم CENTCOM الممتدة من آسيا الوسطى للقرن الأفريقى، بينما المقر الرئيسى لتلك القيادة فى قاعدة ماك ديل MacDill فى ولاية فلوريدا الأمريكية.
وكانت قد انتقلت القيادة الجوية للقيادة العسكرية المركزية الأمريكية من السعودية إلى قطر ما بين عامى 2002 و2003، ومقرها قاعدة «العديد» الجوية التى تفتخر بأطول وأفضل المدرجات فى المنطقة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة