أتوقف أمامهم، بين حيرة ودهشة وحزن واستفزاز.. أهم غاضبا بأن أفعل شيئا، غير أننى أرى من حولى يقفون منهم نفس الموقف مستفزين أحزانى غاضبين، ثم يمضون لا يلوون على شىء.. من يذهب منهم إلى عمله يذهب.. ومن يغادر الشارع إلى بيته كافيا خيره شره يغادر.. عن هؤلاء الذين يقطعون الأشجار أتكلم!
لست من حزب (الخضر) ولا من جماعات أنصار البيئة، ولا أزعم أننى رجل (إيكولوجى) – وهى كلمة تعنى بيئى لمن لا يعرف مصطلحات المثقفين – لكننى أعرف معنى الأكسيجين والخضرة ونقاء الهواء، وهو أمر لا علاقة له بنشأتى الريفية، الإحساس نعمة.. لا يختص بها أهل الريف دون أهل الحضر. أراهم يهجمون على الأشجار مثل عصابات القراصنة فى مدخل البحر الأحمر، بالبلطة وبكل أدوات التقطيع يحشون الأشجار، فيهم عنف عجيب غير مفهوم، كأن بينهم وبين الشجر خلافا داميا، أو ثأرا بايت، عنف رهيب ووحشية ضد كل ما هو جميل.
تهوى الشجرة متألمة نازفة على الأرض، يترحم عليها الناس ويمضون، لا أحد من المارة يقف متألما لألمها، أو حتى يقول ما يقال عند مرور الجنازات رافعا سبابته: لا إله إلا الله.. إنا لله وإنا إليه راجعون! للشجر جنازة فى قلبى، ودموع تجرى من عينى، لا أنام فى الليلة التى أرى فيها اغتيال الأشجار بأيدى عصابات البلدية والمحافظة التى تنتشر فى شوارعنا، ما يمنعنى النوم هو أن أحدا من الناس لا يهتز له طرف وهو يحضر اغتيال هذا الكيان الشامخ النبيل، والأخطر أن أحدا لا يتعظ!
لقد انتشرت عصابات قطع الأشجار على نحو لا سابق له.. ليست أشجار القاهرة فقط، ولا كل أشجار الريف، بحرى وصعيد، بل انتشرت فى مساحات مختلفة من حياتنا، وعلى مستويات تخيف من فى وجهه نظر! كل الأِشجار النبيلة يختفى وراءها رجال بالبلطة الحادة الغبية يريدون قطعها، شجرة الثقافة يريد بعضهم قطعها ببلطة التكفير، لا يريدون لها أن تطرح البرتقال ولا العنب، يريدونها تطرح ثمارا سوداء يقف على أغصانها الغربان ناعقين..!
شجرة الفن يريد بعضهم أن تتحول إلى جذوع محترقة داكنة كئيبة، لا تزقزق فوقها العصافير، ولا تطرح ثمار التفاح اليانعة، يريدون فقط أن تطرح العلقم، وأن تثمر التفاهة التى لا تقول شيئا عن أحد أو لأحد، لكى لا تزعج أحدا.. فيقطعونها ببلطة التخوين تارة والجنس تارة والتكفير أيضا تارة. وعصابات قطع الأشجار تحتشد وراء كل قيمة وطنية نبيلة، إن شاهدت رجلا نبيلا أو نزيها أو ناجحا، استعدت له ببلطة تبعده عن نجاحه وتحوله بقدرة قادر إلى فشل، يزداد عنفهم كلما ازداد نجاحه، حتى وإن كان نجاحه لا يؤذيهم..!
فى كل مجال من مجالات خدمة هذا الوطن يتأذى الشرفاء، وتتعاظم مصيبتهم لو كانوا ناجحين موهوبين، هنا يكمن البلاء الأعظم وتزداد البلطة حدة ويزداد القتلة عنفا وسادية!
حتى الشجرة الأعظم – هوية هذا الوطن الجليل، مصر – يريد بعضهم أن يقطعها بالبلطة.. فيطمس هذه الهوية لصالح أجندته الخاصة التى لا تعى معنى الوطن ولا يرد فى سطورها مفهوم الوطنية، فيستبدلونها بهويات أخرى لصالح شياطين كثيرة مستعدة هى الأخرى!
لا.. قفوا أيها القتلة، تبت يدا كل من يحمل بلطة ليقطع الأِشجار، أشجار شوارعنا وأشجار شخصيتنا وتكويننا الوطنى وقيمنا التى يريدون لها أن تتهاوى.
حملة البلطة ظلاميون من شتى التيارات، ظلاميون فى السياسة والفكر وبلداء فى الحس، لا يحبون حتى الأكسيجين، ويكرهون الخضرة ويعشقون السواد.. وهم سينتصرون، إذا ظللنا نرى المشهد كل يوم فى الشارع يتكرر دون أن ينطلق من الحناجر صوت واحد بالاعتراض!
نقلا عن المصور
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة