شاهدت فى برنامج "الطبعة الأولى" للإعلامى أحمد المسلمانى حواراً مع الأميرة فريال بنت الملك فاروق. حكت الأميرة عن أحداث يوليو 1952 وكيف كانت طفلة صغيرة لا تدرى ما يحدث حولها، وكيف أن الضباط الأحرار أعطوا عائلتها نصف ساعة ليجهزوا أنفسهم لترك البلاد على متن اليخت الملكى المحروسة. قصت عن أيام بلا طعام فى البحر التى واجهها طاقم اليخت والعائلة المالكة لأن القبطان كان يحاول أن يتفادى الطائرات المصرية التى تتبع السلاح الجوى التى بعثت لتدمير المحروسة ومن عليها.
يهيأ لى أنه لا يوجد إنسان لن يحس بالأسى والألم تجاه الأميرة وعائلتها عند مشاهدة هذا البرنامج، ولقد نشأنا فى مصر على مشاهدة الأفلام التى أنتجتها الثورة، والتى تصور فيها فساد النظام الملكى، ولكن بالطبع طوال الستين عاماً الماضية لم نشاهد فيلماً أو كتاباً واحداً يصور فساداً أو غلطة ارتكبها القائمون بانقلاب يوليو 52، هؤلاء الضباط الملائكة لم يرتكبوا أى شىء يتطلب تحليلا أو قليلاً من المناقشة أمام الشعب المصرى أو ممثلين للشعب أو أى جهة أخرى، فهم يصدرن القوانين ويغيرونها متى شاءوا وينفذونها ولا يقدمون شرحاً أو تأسفاً لأحد، قاموا بإخراج الملك من قصره وأباحوا لأنفسهم القصور والمجوهرات والتحف الثمينة التى كانت تملأ هذه القصور وكانت فى الحقيقة هى ملك الشعب المصرى، تبخرت هذه الأثمان ولم يبقَ منها سوى جزء صغير يعرض اليوم، ولكن الكم الأكبر منه تصرف فيه النظام الجديد بدون أن يعطى تفاصيل لأحد.
أين أوراق جمال عبد الناصر التى كانت ستفتح وتعرض على الشعب المصرى بعد أربعين سنة من وفاته، معروفة هى أيام البطش والتعذيب التى تعرض لها أبناء الشعب على يد نظام القائد العظيم، أسأل أى ضابط كان فى صفوف البوليس فى هذا الزمن المؤسف من تاريخ الأمة المصرية.
كانت أمنية الملك فاروق أن يدفن فى أرض الوطن مع آبائه، ولكن قائد القوات المسلحة وحبيب الملايين رفض، إذا كانت حركة يوليو 52 ثورة شعبية حقيقية، فما كان رعب العسكر هكذا من ملك متوقى تجرد من عرشه وأمواله ونفى هو وأطفاله خارج البلاد.
عندما سأل مقدم البرنامج، الأميرة، عن حياتها ردت بأنها لا تود أن تتكلم عن أشياء شخصية، ولكن لا يفوت على المرء كم قاست هذه السيدة، فثيابها كانت بسيطة وكان واضحاً أنها فقدت اثنين من أسنانها ولم تصلحهما، ففى الغرب لا يترك المرء نفسه هكذا، فطب الأسنان متقدم،وأطباء الأسنان فى مقدورهم إصلاح الكثير.
منذ عدة أيام وفى برنامج تلفزيونى آخر شاهدت حواراً مع هدى جمال عبد الناصر، فشتان الاختلاف بين الأميرة وبنت مبشر الحياد الإيجابى والقومية العربية، فعلى ما كانت الأميرة متواضعة كانت الأخرى متعالية، الأولى فى شدة البساطة والأخرى فى شدة الأناقة.
لقد بطش الانقلاب برجال الأعمال وأصحاب الأراضى فى مصر وجردهم من كل ما يملكون ووضعهم تحت الحراسة وخلق القطاع العام الفاشل محتذياً بالأنظمة الشيوعية، وقاموا بتفتيت الأراضى الزراعية وتفرقتها على صغار الفلاحين فنشروا الفقر بصورة منظمة. فأعضاء الانقلاب أسكرتهم السلطة المتناهية الجديدة التى أحرزوها لأنفسهم، فصورت لهم أنهم خبراء فى السياسة والاقتصاد والدين والذوق العام، ودمروا كل ما كان جميلاً ومتميزاً فى مصر، يحكى عن الفنان المبدع محمد فوزى أنه أصيب بسكتة قلبية بعدما صادر الانقلاب شركته الصغيرة للأسطوانات وأممها.
نعود إلى حوار الأميرة فريال، فروت كيف أن الثورة المجيدة سحبت من عائلتها جوازات السفر المصرية، ولكن أخيراً أعادت لهم الحكومة المصرية الجوازات المصرية، وكيف أنها تعود الآن لزيارة ابنتها التى تعيش فى مصر.
تاريخ محزن لفترة حزينة، فتاريخ بلادنا الجميلة تراه على وجه هذه الأميرة، فالبرنامج التلفزيونى كان يعرض صورتها هى وأخوتها كأطفال، فكم كان جمال هذه الطفلة وأخوتها، فلا يمكن أن تكون هذه هى نفس السيدة المتقدمة فى السن التى قاست الكثير- فالوجه المملوء بالحيوية والرجاء والأمل تحول إلى وجه نبيل مجعد بالأحزان والتجارب المريرة ـ ففى رأيى أن هذا الوجه الذى كان على شاشة التليفزيون كان وجه مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة