لابد من البدء من مقولة غاية فى الأهمية للإمام محمد عبده، وهى "ليست القوانين التى تفرض العقوبات على الجرائم وتقدم المغارم على المخالفات هى التى تربى الأمم وتصلح مـــن شئونهـا، فالقــوانين لم توضع فى جميع العالم إلا للشــواذ والهفــوات والسقطات، أما القوانين العـامة المصلحة فهى قواميس التربية لكل أمة".
وهذه الفلسفة تنطبق على التحكيم فى المعاملات التجارية الحديثة، فرغم اعتماده من قبل الشركات العالمية لفض نزاعاتها، إلا أن الكثير يجهلون أهميته ويجهلون العوائق التى يسببها شرط التحكيم فى إنهاء عملية التقاضى بصورة ينشدها، وهذا ناتج من عدة عوامل بعضها مرتبط بالناحية الأكاديمية فى القصور فى تدريس التحكيم بصورة معمقة ضمن الدراسات القانونية والتجارية، وبعضها ناتج عن عدم إلمام بعض رجال الأعمال وأيضاً حتى بعض القانونيين بقوانين التحكيم سواء على المستوى الداخلى المحلى لكل دولة أو المعاهدات الدولية.
وفى هذه الورقة نستعرض التحكيم كآلية جديدة مبتكرة للتقليل من حوادث السيارات عن طريق أحكام مالية سهلة وموجزة ولا تخضع لقوانين الإجراءات والمرافعات ولا تقبل الطعن إلا بالبطلان. وعن طريق أحكام سريعة نهائية ملزمة بالتعويض يتحقق الردع الكافى لحمل السائقين على الحرص والتأنى.. إنها دعوة لمحاربة الإرهاب المرورى، فلا يمكن التعويل على تشديد العقوبات فى جرائم الإصابة الخطأ والقتل الخطأ برفع سقف العقوبات أو جعلها جناية. فتلك الجرائم هى جرائم مصادفه، قد يقع فيها أى شخص، وليس مرتكبها مجرماً بطبعه.
واقتراحى هو إصدار قانون أو النص على إضافة نص يشير إلى مفهوم جديد وهو "التحكيم الإجبارى فى حوادث السيارات" وهو أمر هام وفاعل، فلدينا ارتفاع حوادث السيارات بمصر بدرجة هائلة حتى وصل الأمر إلى أن أول تحذير للسياح الأجانب من سفاراتهم بمصر أن يتوخوا الحذر من القيادة ويحتاطوا من السيارات. وضحايا حوادث الطرق ارتفعت إلى أرقام مفجعة وطالت الجميع للأسف. بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السيارات وبالتالى ارتفاع كلفة التلفيات. والتأخر فى الفصل فى تلك القضايا لسنوات "التعويض المدنى“.
وكل ذلك حله هو التخلص من بطء الإجراءات القانونية لكون التحكيم لا يخضع لإجراءات التقاضى العادية. وهذا سيحقق الردع للسائقين عـن طريق سرعة الفصل فى تقدير التلفيات والحكم بها على المتسبب فى الحادث، فالحكم فى قضايا تلفيات السيارات قد يصل لجلسة واحدة. وسرعة الفصل تعنى سرعة إعادة الحق، بعد تطبيق التحكيم سيفكر كل سائق فى اتباع قواعد المرور وأحكامه لكون الأحكام فيه نهائية وسريعة وبالطبع ستكون ملزمة لسداد التلفيات، وأتذكر أحد السادة المستشارين الذين تم تدمير سيارته واستمرت دعواه بالتعويض ست سنوات.
والمنوط بهذا التحكيم هو القضاء بالطبع، طبقا لنصوص القانون 27 لسنة 1994. وآلية التنفيذ هى أن يخصص فى كل محكمة ابتدائية مركز للتحكيم الإجبارى فى حوادث السيارات ويلحق بالمركز أسماء القضاة ويكون توزيع القضايا بالدور. وفى التحكيم تكون الرسوم على نفقة المخالف ويقدرها المحكم، وتذهب هذه الرسوم إلى صندوق مستقل، ويمكن تقديرها حسب قيمة النزاع وهى تقديرية وتصل لمئات وآلاف الجنيهات.
وأطراف النزاع هى قائدى المركبات، وشرط التحكيم ينص عليه فى قانون المرور أو التعويض عن حوادث السيارات فى ظل قانون التأمين الإجبارى الجديد ق رقم72 لسنة 2007. وإجراءات التحكيم لا تخضع لقانون الإجراءات أو المرافعات. والطلبات هى التعويض الكلى أو الجزئى. وأسباب الحكم تكون مكتوبة مثل الأحكام. والمصروفات يحددها المحكم.
وهناك شروط موضوعية لحكم التحكيم الإجبارى فى حوادث السيارات، أولها التأكد من أن الحكم واضح فى عبارته صريح فى منطوقة خال من أى غموض أو لبس والالتزام إجرائيا بالقواعد القانونية الواجبة التطبيق وتجنب تجاوز الحكم لحدوده، فلا دخل للمحكم فى نظر قضايا قتل أو إصابة خطأ ناتجة عن الحادث. وأخيراً الدقة والحساب السليم لكافة المبالغ المحكوم بها.
والتنفيذ يكون تلقائيا فى الصلح أو التنفيذ جبرا بحكم.
وكانت تلك إطلالة على الحل القانونى لتلك المشكلة التى تفاقمت فى العلم كله حتى وصلت إصابات الطرق اليومية فى العالم إلى 140,000 مصاب منهم 3000 شخص يلقى حتفه، 150000 مصاب بعجز مستديم. علما بأن دول الخليج تخسر سنوياً عشرة مليار دولار منها السعودية 5,6 مليار دولار. أما الوضع فى مصر فهو موصوف بالتضارب فى الأرقام فوزارة الصحة قدرت عدد القتلى عام 2008 بـ 7449 والمصابين 93 ألف بينما قدرت الداخلة الإصابات بنحو 6999 شخصا، وأخيرا قرر المسئول من الاتحاد الأوروبى الخبير بأكاديمية الشرطة بألمانيا والمنسق فى مصر أن الوفيات 12 ألف قتيل.
* رئيس محكمة بدائرة جنوب القاهرة الابتدائية
المستشار حسام مكاوى يقدم اقتراحا بتنظيم قانونى لمنازعات حوادث السيارات.. أحكام مالية سهلة وموجزة.. لا تخضع لقوانين الإجراءات والمرافعات.. ولا تقبل الطعن إلا بالبطلان
القضاة يطالبون "العدل" بتبنى قانون هيئة تحكيم حوادث السيارات
انقسام بالمعارضة على مشروع قانون "التحكيم الفورى فى حوادث الطرق"
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة