المصريون هم الشعب الوحيد على مستوى العالم الذى يساوى بين رئيس الجمهورية وسائق الميكروباص، فنحن نصرخ كل عام فى عيد العمال: المنحة يا ريس، ونصرخ كل يوم عندما تأتى محطتنا: على جنب يا ريس.
الوطن بطبيعة الحال ليس «سيرفيسا»، لكن هناك أصواتا شاذة ترى أن العلاقة بين الميكروباص والوطن علاقة آثمة، وتربط بين عجلة الكاوتش وعجلة التنمية، وتروج أن الحكومة لا تحرك عجلة الوطن فى أى اتجاه، وإنما تؤجرها للمواطنين، اللفة بربع جنيه.
لنتكلم الآن عن زميلنا فى الوطن والمواطنة سائق الميكروباص.
ومنعا للّبس والقلع، أقول: «أى تشابه بين أبطال هذا العمل وأى أشخاص موجودين فى الحقيقة، هو محض مصادفة».
سائق الميكروباص يخرج فى بداية اليوم، وهو يقول: «يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم»، يقابل المواطنين بوجه بشوش، وينادى بنفسه: السلام.. السلام، النهضة.. النهضة، مصر الجديدة.. مصر الجديدة. ثم يستعين بتباع أو أكثر، ويتفرغ هو لجمع الأجرة.
فى البداية يسير زميلنا السائق بمنتهى الهدوء والراحة، وربما يشغل فى كاسيت السيارة أغنية لعبد الحليم حافظ أو محمد ثروت، ثم شيئا فشيئا يبدأ فى زيادة سرعة السيارة، فيقلق الركاب ويصيحون: «بالراحة شوية يا ريس».
لكن مافيش بالراحة، يزيد السرعة، ويوقف صوت محمد ثروت، ويضع بدلا منه شريطا لصفاء أبو السعود أو حسن الأسمر أو محمد العزبى، يخاف الركاب، وتقول سيدة عجوز تجلس على الكرسى القلاب:
- يا ابنى حرام عليك.. بالراحة.
فيوقف السيارة بجانب الطريق، وينزل منها بعد أن يغلق كل أبوابها بالموسوجر، ويقف فى الناس خطيبا:
- الإخوة والأخوات، لقد حققنا بفضل الله خطوات ملموسة فى سبيل الوصول إلى الموقف، وإننى بعد تجارب عديدة خضتها فى هذا المجال أقول للحاجّة اللى ورا: أنا بعمل كده عشان صالح الميكروباص.. انتى ماتعرفيش احنا علينا أقساط قد إيه.
قبل النهاية بقليل يصرخ الرجل الذى دخل «رابع ورا» ويقول للركاب بصوت منخفض: «كفاية كده»، فيقتنع بعضهم ويطلبون من السائق التوقف، فيشغل فى المسجل شريطا عن عذاب القبر، ويأخذ غرزا ومنحنيات بالسيارة، وتبدأ أجزاؤها فى التطاير، المرايات، ثم السقف، ثم الأبواب، وهو يسير بسرعته القصوى، ويصرخ الجميع:
- على جنب يا اسطى.. على جنب يا ريس.
وما من مجيب.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة