فى هذا الشهر الذى تعانى من شمسه وحره، وتحديدا قبل نهايته بعدة أيام غير جمال عبد الناصر مسار التاريخ بحركة ما زلنا حتى الآن نتصارع ونتعارك حول منحها لقب ثورة أو انقلاب عسكرى، رحل عبد الناصر ومجلس قيادته وبقيت ذكرى يوليو فقط ومعها الكثير من المناوشات والخناقات والخلافات التى تطل علينا كل عام فى نفس الشهر، وبهذه المناسبة السعيدة؛ اسمح لى أن أحتفل معك بذكرى الثورة ولكن بشكل مختلف شوية..
عزيزى القارئ المصرى بص فى ورقتك وأجب عن هذه الأسئلة فى هدوء..
السؤال الأول: مالذى تعرفه عن ثورة يوليو؟
- كانت سببا رئيسيا فى شفاء عم على الجناينى من حالة الخرس التى أصابته فى منتصف أحداث فيلم رد قلبى.
السؤال التانى: مالذى حدث فى يوم 23 يوليو؟.
- والله ما أنا عارف، يمكن ثورة، يمكن انقلاب، يمكن تمثيلية، يمكن حركة، يمكن مؤامرة.. أو عيل تايه وأهله كانوا بيدوروا عليه.. أهو اللى حصل حصل وخلاص.
السؤال الثالث: ما علاقة الرئيس حسنى مبارك ونظامه بما جرى فى فجر 23 يوليو سنة 1952؟
1- حفلة سنوية يخطب فيها الرئيس بانتظام.
2- يوم إجازة لكل العاملين فى الدولة.
3- الإجابتان السابقتان معا.
عزيزى القارئ، قد لا تأتى هذه الإجابات على هوى سيادتك ولكنها بالطبع ستأتى على هوى الواقع والحقيقة،57 عاما مرت على ما جرى فى 23 يوليو وما نتج عنه والناس لم تعد تذكر منه سوى قصة على بن الجناينى وإنجى بنت البرنس أو ما تضمنته مشاهد فيلم "رد قلبى" ومن بعده الناصر 56؛
57 عاما مرت على عمر الثورة التى وصفت نفسها بالمجيدة ولم تعد هناك بلد تشعر بماحدث ليلتها ولم تعد هناك أثار باقية لتلك الثورة على البلد سوى تلك الخرابيش التى يظفر بها الرجال عقب علاقات الحب السريعة، ربما لأن لقاء الثورة مع الوطن لم يكن حميما، كما تقول الكتب عن العلاقات الصادقة أو ربما لأن العلاقة كانت غير شرعية أكثر من اللازم.
57 عاما قضى الرئيس نصفها تقريبا وهو يحتفل بالثورة وبأحداث 23 يوليو، ويحلب فى بقرتها كما يحلب فى بقرة 6 أكتوبر لعله يرضى الشعب الذى بحث له فى دفاتر دقائق وساعات هذا الوطن عن حدث وطنى جليل مثل سلفيه ناصر والسادات ولكنه لم يجد.
28 سنة يحتفل الرئيس فيها بثورة يوليو ويحصل على إجازة رسمية ويخطب عن الثورة ودربها الذى يسير عليها وعن أبوتها لنظامه الذى يستمد شرعيته مما حدث فى 23 يوليو كما يحب أن يقول ذلك فى خطبه دائما.
ماعلاقة الرئيس مبارك بما جرى فى يوليو سوى أنه كان محاضرا فى أكاديمية القوات الجوية أى ضمن الفئة التى قال عنها الأستاذ هيكل فى شهادته الأخيرة عن ما جرى فى يوم 23 يوليو إن بقية الجنود والضباط والبعيدين عن دائرة عبد الناصر ورفاقه لم يكن أحد فيهم على دراية بما يحدث فى البلد، حتى الجنود والضباط الصغار الذين شاركوا جلسوا يأكلون العيش مع الجبنة دون أن يعلموا أنهم قلبوا نظام الحكم فى مصر.
ربما كانت علاقة الرئيس بالثورة الذى يسعى دائما لأن يربط نظامه بها هى تلك الخطيئة التى ارتكبها عبد الناصر قبل رحيله حينما جاء بالسادات ليفرضه بوصاية على الشعب ليرتكب خطأ أكثر ذنبا حينما فرض هو الآخر وصايته على الشعب وجاء إليهم بحسنى مبارك الذى يستعد لتكرار نفس السيناريو تقريبا.
ما بين 23 يوليو 1952 و23 يوليو 2009 انفصال كامل وعلاقة غير موجودة لا يمكن تبرير ادعائها، وحتى الذين يعشقون الترويج لفكرة أن نظام مبارك هو النسخة النهائية لثورة يوليو ليسوا دقيقين تماما، لأن ما كان موجودا فى يوليو 52 منفصل تماما عما هو موجود الآن، ربما كان نظام مبارك هو التطور الطبيعى لأخطاء ثورة يوليو ولكنه لم يكن أبدا امتدادا لها، صحيح أن القمع والقهر والظلم الذى شهدته سنوات الثورة تشهده الآن سنوات هذا النظام، ولكن ذلك لا يجزم أبدا بوجود علاقة ما ربما لسببين يمكننا أن ننظر إليهما عن قرب.
بالنسبة للذين لم تقتنع قلوبهم وعقولهم حتى الآن وهم كثيرون بأن ما حدث فى 23 يوليو كان ثورة بجد ستنتفى العلاقة تماما، وسيصبح ما هو موجود الآن منفصلا وقائما بذاته وما كان موجودا فى 52 مجرد مرحلة شهدها هذا الوطن وتركت خرابيشها على جسده ورحلت دون أن تغير مسار مستقبله، وهو الأمر الأقرب لو عرفنا أن مقدار حركة هذا الوطن وتغيير اتجاهه نحو الديمقراطية والحرية والمستقبل تقف عند المؤشر صفر من 52 وحتى الآن.
الثورة فى مجملها تعنى الاندفاع العنيف نحو تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية تغييرا أساسيا وجذريا وهو ما لم تفعله أحداث يوليو وطبقا لذلك يصبح كل نظام مرحلة قائمة بذاته منقطعة الصلة عما سبقها؛ ولكنها ليست منقطعة النسب بسبب الظروف التاريخية التى تضطرك للربط بين المراحل الزمنية وبعضها.
لا يمكن بأى حال أن تقتنع كتب التاريخ المنصفة بأن ما حدث فى يوليو كان حقيقيا وما حدث يصبح طبقا لما قاله الفرنسى الشهير" فليب جوستاف لوبون" جهدا ضائعا نظرا لأن المجتمع ضحى كثيرا لتحقيق ما كان يمكن تحقيقه بسهولة.
ولأن ثورة يوليو صنعت فى فترة قليلة ما كنا نظن أنه يتطلب مائة عام وخسرنا فى أعوام قليلة ما احتاجت مصر لقرون طويلة لاكتسابه من حرية وإبداع وفكر وكرامة فإن ثورة من ذلك النوع يراها علماء السياسة بلا خلف يحمل اسمها وورثها حتى ولو كان مشوها.
إذن لم يكن هناك ثورة حقيقية أصلا لكى يكون لها روافد تستمر مع الزمن لأن الثورة الحقيقية تكون حدثا يغير مسار التاريخ، وتجعل ما قبل الثورة يختلف عن ما بعد الثورة وهو ما لم تنجح يوليو فى تحقيقه بشكل كامل لأنه فيما قبل الثورة كان أغلب الناس لا يجدون الماء ليشربوه وفيما بعد 57 سنة من الثورة ما زال نفس الناس لا يجدون الماء الذى يشربونه فى كفر الشيخ والدقهلية والشرقية والفيوم و ما يستجد فى الأيام القادمة من محافظات.
بالنسبة لمن يؤمن فى مصر بأن ما جرى فى 23 يوليو كان ثورة حقيقية لا لبس ولا غموض لديه فى ذلك فإنه سيجد أيضا أن النظام الموجود حاليا لا يمت بصلة لما كان موجودا فى يوليو حتى لو كانت الأخطاء واحدة لأنه ولأننى ولأن كل الناس الحلوة التى تحب مصر نعلم جيدا أن الذين يحكمون الوطن حاليا أقل بكثير من أن يكونوا امتدادا للذين حكموا أيام يوليو بغض النظر عن أفعالهم فلا يمكن أن يكون امتداد من صنع للناس الحلم هو كابوسهم، ولا يمكن أن تكون نية مبارك الذى يريد أن يحكم ما دام فى قلبه نبض هى نية عبد الناصر الذى خلق مشروعا قوميا للناس يوقظ فيهم الإنسان كما يوقظ فيهم الأمل.