سيد فتحى

فاض به الكيل فصرخ

الأربعاء، 22 يوليو 2009 09:37 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى حكمه التاريخى الصادر فى الاستئناف رقم 2202 لسنة 124 (المنشور باليوم السابع بتاريخ 20/7/2009) وصف المستشار الجليل عبد الغفور خليل رئيس محكمة الاستئناف حكم محكمة أول درجة قائلا: "إنه لا يساوى مداد كتابته وأنه على نماذج تافهة".. وقال أيضا: "فقد لاحظت أخطاء إملائية كثيرة وفهما متدنيا وحقوقا ضائعة". وتضرع المستشار إلى الله العلى العزيز أن يعيد المدرسة القضائية المصرية إلى عهدها السابق، أسلوبا سليما، وإلماما كافيا بعناصر الدعاوى وطلبات الخصوم، وصولا لوجه الحق فى الدعوى.

هكذا جاء الحكم الصرخة التى ظل المستشار عبد الغفور يحتفظ بها سنوات وسنوات.. حتى فاض به الكيل فأطلقها، فكل العاملين بالحقل القضائى وخاصة المحامين يعلمون جيدا إلى أى مدى وصل حال القضاء فى مصر.. ومن ذلك ما نشر بجريدة الأهرام بتاريخ 30 ديسمبر 2008 الماضى حول الإحصائية الواردة فى دراسة للدكتور محمد نور فرحات، والتى تشير إلى أن 96% من الأحكام تصدر بطريق الخطأ..(مشار إليها بمقال الأستاذ نبيل عمر- الأهرام).
والحكم الأخير تأكيد قضائى صارخ البيان بشأن حالة التردى المهنى التى أصابت مرفق القضاء فى مصر والتى تهدد بسقوطه، ويتسق الحكم مع تصريح وزير العدل الذى أطلقه منذ سنوات أمام مجلس الشورى والذى قال فيه: "أنا لو طلعت 200 قاضى بجد يبقى كويس"!!.. وصرخة المستشار عبد الغفور خليل، لهى من أصدق، بل وأنبل الصرخات. والخطر كل الخطر..هو أن القاضى الذى ألغى حكمه المستشار عبد الغفور خليل سوف يجلس وزملاؤه من ذات مستواه بعد سنوات على مقاعد الاستئناف.. ثم.. وهى الكارثة.. على مقاعد محكمة النقض!!

وصارت، والحال كذلك، أحكام القضاة الشوامخ التى هى سيمفونيات للعدل والحرية فى ذمة التاريخ، وعلى أرفف مكتبات رجال القانون البائسين الباحثين عن العدل وسط ركام من الجهل والانحراف والفوضى. فيا أيها السادة الأجلاء بالتفتيش القضائى بمبنى لاظوغلى، أناشدكم النزول من المبنى والتوجه إلى المحاكم والجلوس بين المتقاضين بقاعات الدوائر المدنية والشرعية وغيرها..واقرأوا القضاة جيدا خلال إدارتهم لجلسات الدوائر.. واكتشفوا بأنفسكم إلى أى مدى نجح عدد ليس بالقليل فى اقتحام ساحتنا المقدسة وتربعوا على منصاتها.

راقبوا الاستعلاء على الضعفاء..ارصدوا العدوانية غير المبررة تجاه المحامين، وهم الشركاء فى تحقيق العدل مع السلطة القضائية بنص القانون.. ادخلوا استراحات المحامين فى أى يوم وأى محكمة.. واستمعوا إلى معاناة المحامى اليومية فى مواجهة ما يسميه بعض زملائنا "لعبة الحظ"..وأذكر أن محاميا يحكى أنه قام بتدبيس مذكرة دفاعه المكونه من عشر صفحات من كل جانب حتى يضطر من يريد قراءتها أن يقوم بخلع الدبوس.. وقدمها أمام محكمة أول درجة..حتى يثبت أمام محكمة الاستئناف بأن القاضى لم يقرأ..وبالفعل كانت المذكرة بعد إصدار الحكم بحالتها الأولى.. لم يكلف القاضى نفسه عناء قراءتها.. ولدى كافة المحامين الكثير من الأحكام الكارثية والتى إن أردتم وطلبتم ستجدون تلالا من الأوراق التى لا تساوى مداد كتابتها!! كما قال المستشار عبد الغفور.

هل تعلمون يا سادة بالسؤال اليومى المتكرر أمام كل قاعات المحاكم الذى يسأله المحامى لزميله عن القاضى الذى سينظر قضيته؟ السؤال هو: "هو بيقرا كويس؟! أو.. هو بيسمع؟!"
هذا لأن الأصل الآن أن القاضى لا يقرأ.. وأن القاضى لا يسمع.. بل كما قال المستشار عبد الغفور خليل.. هى أحكام على نماذج تافهة وفهما متدنيا.. و.. حقوق ضائعة.. عندما قالوا لتشرشل: "لقد انتشرت الرشوة والفساد فى أنحاء البلاد، سأل تشرشل: هل وصلت الرشوة للقضاء؟ ردوا: لا، قال: إذن بريطانيا بخير.

الآن يا سادة.. وصلت الرشوة للقضاء فى بلادنا.. وما تنشره الصحف هو القليل من الكثير الذى نعلمه ونسمع عنه من خلال وجودنا اليومى فى ساحات المحاكم.. ولعل واقعة قاضى شبرا الخيمة الذى استقال فى مقابل عدم تقديمه إلى النيابة العامة بتهمة الرشوة خير شاهد على ما نقول..

ورغم هذا.. ففى ساحة القضاء المقدسة عشرات القضاة الذين يسطرون يوميا حروفا من ذهب دفاعا وترسيخا لقيمة العدالة إعلاء من شأن ودور القاضى بين الناس.. وهو الدور الذى يجب على المجلس الأعلى للقضاء بقيادته الجديدة أن يسانده.. ونحن نثق فى قدرته على خوض معركة التجديد والتطوير الموضوعى للقضاء فى مصر. ولن أجد أفضل وصفا للحال مما جاء ببيان اعتزال المستشار العظيم يحيى الرفاعى والمنشور عام 2002.

وهو النائب السابق لرئيس محكمة النقض والرئيس الشرفى لنادى القضاة:
"انعدمت فى نظر الناس قاطبة كافة ضمانات المساواة بين المواطنين أمام القانون والقضاء، وهو ما انتهى إلى ضياع سمعة القضاء المصرى فى نظر العالم أجمع حتى صرنا مضغة فى الأفواه".

ويواصل بيانه بقوله:
"يقولون إننا دولة مستقلة ذات سيادة وأن لدينا قضاء مستقل ولدينا سيادة قانون ولدينا برلمان فى حين أنه ليس لدينا شىء من ذلك كله ولا حتى الحياء".


موضوعات متعلقة..

"الاستئناف" تلغى حكما بطلاق زوجة أصدرته محكمة أول درجة






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة