◄أنشأ مركز الكلى والمسالك البولية بالمنصورة بمنحة هولندية وبتبرعات أهالى الدقهلية.. ورفض فتح عيادة خاصة به ليتفرغ تماما للمركز
الدكتور محمد غنيم، أبرز وأشهر جراحى الكلى فى مصر والعالم، وصاحب الفضل الأول فى نهضة الطب فى المنصورة، بعد أن نبه العالم إلى كفاءة الطبيب المصرى بنجاحه فى إجراء أول جراحة نقل كلية فى مصر سنة 1976 بأقل الإمكانيات، وبمساعدة فريق من أطباء «قسم 4» المختص بأمراض الكلى والمسالك الذى كان غنيم مشرفا عليه، ليفكر بعدها فى إنشاء مركز متخصص فى جراحات الكلى والمسالك البولية تحت مظلة الجامعة، وهو ما كان بعد مشوار طويل من الكفاح، حتى خرج المركز الأشهر والأول فى مصر والشرق الأوسط إلى النور ليعالج أكثر من مليون و800 ألف مريض خلال 26 عاما.
تميز تجربة الطب فى المنصورة راجع بالأساس لتميز الدكتور غنيم، بحسب تأكيدات كبار أساتذة الطب الحاليين بجامعة المنصورة، وهو ما اتضح منذ جراحة نقل الكلية الأشهر التى قام بها غنيم لأول مرة فى مصر قبل 33 عاما، بمشاركة فريق «قسم 4»، فبدلا من أن يتصدر غنيم المشهد، ويستأثر وحده بالأضواء كما هى العادة، فوجئ الجميع بالرجل ينسحب بهدوء، بعد أن أناب عنه من يقوم بتعريف هذا الإنجاز، وهو يؤكد أنه ليس وحده صاحبه، وأن التجربة نتاج جهد جماعى لقسم الكلى والمسالك، وفريق «قسم 4»، الذى نشرت الصحف عن إنجازهم الطبى، وتناقلت تصريحاتهم وصورهم، دون أن تنشر صورة واحدة للدكتور غنيم، قائد الفريق وصاحب الفضل الأول، الذى كان منشغلا وقتها بفكرة أخرى، أكبر من مساحات الصحف التى احتفت بالإنجاز، أكثر بريقا من أضواء فلاشات الكاميرات.
انشغال الدكتور غنيم كان مبعثه تفكير سابق لأوانه، بإنشاء مركز متكامل ومتخصص فى جراحات الكلى والمسالك البولية، هو الأول من نوعه فى مصر والشرق الأوسط، وتحمس الرئيس الراحل أنور السادات لفكرة غنيم، وعينه مستشارا طبيا له، ليسهل عليه التحرك خلال الروتين الحكومى العتيد، وليتمكن من إنجاز مشروعه بالمرونة اللازمة، وهو ما حدث بالفعل، فقد وافقت جامعة المنصورة على مشروع غنيم، وخصصت له جناحا صغيرا ملحقا بمستشفى الجامعة، إلى أن تم تخصيص قطعة أرض للمركز، وبدأ غنيم وقتها فى البحث عن التمويل اللازم؛ فطرق أبواب المنح الخارجية من أمريكا وأوروبا وبعض الدول العربية، ولكنه لم يوفق، بعد أن رفض أغلب الجهات السابقة تمويل المشروع، فيما عدا هولندا التى دعمت المركز بجزء من التمويل، وهنا برز دور المجتمع المحلى، وأهالى المنصورة الذين دعموا المركز بتبرعاتهم، بالإضافة لقبولهم تسديد رسوم على بعض الخدمات التى تقدمها المحافظة، تذهب حصيلتها إلى المركز، حتى اكتمل البناء، وأصبح حلم الدكتور غنيم واقعا فى عام 1983.
ولم يكتف الدكتور غنيم بالانتهاء من المركز، لقناعته بأن المعادلة لا تقتصر فقط على مبان وتجهيزات، دون الاهتمام بالجانب البشرى، ودون نظام صارم يدور الكل فى فلكه، لا العكس، وهو ما كان، وكان على رأس ما اهتم به، تفرغ أطباء المركز للعمل فيه فقط، لأنه مقتنع بأن الطبيب الذى يعمل فى مؤسسة ناجحة، لابد أن يكون متفرغا، وفى سبيل ذلك استند غنيم إلى القانون ليصبح التفرغ إجباريا للعمل فى المركز، حتى حصول الطبيب على درجة الدكتوراه ومرور 3 سنوات على ذلك، وفى مقابل ذلك أقر غنيم حوافز العاملين فى المركز بنسبة 100 % كبدل لتفرغهم، ولأنه مقتنع بذلك أشد الاقتناع فقد بدأ بنفسه، وتفرغ نهائيا للمركز طوال حياته المهنية، ولم يفتتح عيادة خاصة به حتى اليوم.
«اصرف وهيجيلك».. عبارة الدكتور غنيم الأشهر، التى حفظها تلامذته ونوابه فى المركز، وله فى ذلك فلسفته الخاصة، لقيام المركز بواجبه على أكمل وجه، وجلب ثقة الناس فيه، و «لما الناس تتأكد إن فلوسها مش بتضيع، وإنها بتخدم المرضى فى الآخر، هيجولك ويتبرعوا بسخاء»، هكذا أكد غنيم لأبنائه وتلامذته الذين تولوا مهمة قيادة المركز من بعده، وكأنما كشف مبكرا سر نجاح أى مؤسسة، بإنجازها الملموس على الأرض، ومصداقيتها عند الناس.
وكما كان غنيم نموذجا وقدوة لتلامذته فى تطبيق القواعد على نفسه، والتفرغ للمركز الذى اعتبره مشروع عمره، كان أيضا نموذجا لتلامذته ولأهالى محافظة الدقهلية فى العطاء، فرغم أن تخصصه وشهرته كانا يمكناه من جمع ثروة طائلة تقدر بالملايين، إلا أنه تفرغ لمركزه، واعتاد إيداع مقابل الجراحات التى يجريها خارج البلاد فى تبرعات المركز، وهى تبرعات بالملايين بحسب مصادر قريبة من «غنيم» و«المركز»، وما زال غنيم، وحتى بعد خروجه على المعاش، متفرغا لمشروع عمره، مؤكدا أن الطب عمل إنسانى ورسالة بالمقام الأول، ومازال جميع أبناء المنصورة والدقهلية يشيرون فى إعجاب إلى سيارة الدكتور غنيم الـ«بيجو 504» البسيطة والتى لا يملك الطبيب الأشهر فى مصر غيرها فى الحياة.
لمعلوماتك...
◄يستقبل مستشفى الأطفال التخصصى حالات من جميع محافظات مصر، ولا يقتصر على أبناء المنصورة فقط، وبلغ عدد الحالات التى استقبلها خلال العام الماضى 116 ألف طفل، بالإضافة لـ96 ألف طفل استقبلتها العيادات الخارجية التابعة له