دخل المواطن مكتب ضابط شرطة المرور، كان كديك شركسى منفوش الريش.. جلس بلا مقدمات على الكرسى أمام الضابط الذى كان يباشر مهام عمله، وسط ضجيج وزحام الناس على اختلاف فئاتهم، ووعيهم، ومقاصد مصالحهم، التفت إليه الضابط سائلاً: «أهلاً بك.. ممكن أتعرف على حضرتك».. رد المواطن مزهوا بنفسه وبمنصبه: «أنا فلان الفلانى، مسئول حزب (....) فى مركز طوخ قليوبية، ذكر المواطن اسم حزب معارض، وكمثل معظم أحزاب المعارضة، ليس له مقر معلوم فى طوخ خاصة، أو فى محافظة القليوبية عامة.
كشف المسئول الحزبى عن مقصد زيارته قائلاً: «أنا حضرت هنا مخصوص عشان عمل رخصة قيادة لواحد قريبى»، سأله الضابط: «أين هو؟».. رد المسئول الحزبى: «هو مش موجود دلوقتى، لكن أنا حضرت مخصوص للتوصية عليه».. رد الضابط: «أوكيه يحضر ويخضع للاختبارات المقررة»، رد المسئول الحزبى: «طنش حكاية الاختبارات دى، هو لسه بيفك الخط فى السواقة، وعلشان كده أنا بأوصى عليه» سأله الضابط: «إزاى نعمل له رخصة وهو يادوب بيفك الخط فى السواقة زى مابتقول حضرتك، ياريت يتعلم تمام، وبعدين يعمل الرخصة»، أحمر وجه «المسئول الحزبى» أمام ما قاله الضابط، وانتفض من مكانه متوعداً، ومتقمصا دور الشخصية المهمة التى لا يمكن لأحد أن يرفض طلبها، رد الضابط: «يا أستاذ أنا بقولك شغلى الصح بالضبط، ومش ممكن أعرض نفسى للمساءلة فى إجراء غلط، وحضرتك زى ما قدمت نفسك على إنك مسئول حزبى، وانت شايف الحوادث على الطرق، ومفروض إنك تساعد على الحد منها، وبالعكس مفروض لو أنا قلت كلام غير اللى أنا قلته، تردنى حضرتك وتقول لى إنه خطأ».
انتهى الحوار عند هذا الحد، والضابط سامح مهدى يخبط كفا على كف، لكن المسئول الحزبى أخرج توعده إلى دائرة العلن فى صحيفة حزبه «الصغيرة» بنشر أخبار من عينة: «أصبحت مدينة طوخ مرتعا للبلطجة والنشالين فى غياب الأمن»، وبقدر ما تبدو مثل هذه الأخبار العامة جاذبة لعامة الناس، رغم افتقارها لمعلومة واحدة، تبدو القصة كلها بسيطة فى جانب منها، على أساس أنه من الممكن أن نستمع إلى مثلها فى أى مصلحة حكومية، تتعامل مع الجمهور، لكنها تكشف مدى الهوان والضعف والمأساة فى حياتنا الحزبية كلها.
فنحن أمام مسئول حزبى، لخص مهامه الحزبية فى أن مجرد حمله لكارنيه حزب «معارض»، هو من قبيل الوجاهة والبرستيج، وممارسة أفعال تحمله فوق القانون، وتقوم قيامته لو اصطدم بمسئول يراجعه فيما يفعله، ويرشده إلى الطريق الصواب، مثلما فعل الضابط سامح وآخرون مثله، تجد فيهم صورة مخالفة للصورة الذهنية الموجودة عند العامة بخصوص ضابط الشرطة.
عرفنا فى سنوات سابقة أن الانتساب للأحزاب المعارضة، يقابله ضريبة صعبة بدءاً من الملاحقات الأمنية، مروراً بالاضطهاد الوظيفى الذى وصل إلى الضرب فى لقمة العيش، ومقدماً كان كل من يختار هذا الطريق عليه تحمل العواقب، لكن فيما يبدو ومع كثرة الأحزاب واختفاء أجندتها السياسية، وتمكن الفقر منها أمام الجماهير، أصبح الشاغل لأعضائها هو تخليص رخصة قيادة بالمخالفة للقانون، فهل أصبح ذلك هو مهمة أحزاب المعارضة التى تمتلك صحفا وتزعم أن لها عضويات عاملة فى كل المحافظات.
السلوك العام والحفاظ عليه طبقا للقانون، ومحاربة الفساد والمحسوبية، والتصميم على أن يأخذ كل مواطن حقه، قضايا أساسية لا تخص حزبا بعينه، وإنما تخص عموم الناس، وإذا كنا ننتقد المسئولين الحكوميين، ومسئولى الحزب الوطنى فى محاولتهم كسر كل ذلك، فمن الطبيعى انتقاد أى مسئول حزبى لو لجأ إلى نفس أساليب منافسه من «الوطنى»، وكل ذلك من شأنه أن يوفر الفرصة لأى مسئول يقدم الخدمة إلى الجمهور بكفاءة ونزاهة.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة