قال لى أحد القراء فى رسالة إلكترونية.. (خليك شجاع واكتب عن التوريث).. حسناً يا عم القارئ تريدنى أن أكتب عن التوريث.. سوف أفعلها، بس الأول لازم تعرف أن هذا النوع من الكتابة هو الرائج الآن فى السوق والألف كلمة منه بقرشين.
دعنى أولاً أدور حول نفسى بهذين السؤالين.. لماذا يعشق المصريون الكلام عن التوريث مثل عشقهم للنميمة الجنسية من نوعية فلان اتجوز وفلانة اتقفشت فى شقة مع فلان؟ ولماذا أصبح الكلام عن التوريث والكتابة فى تفاصيله غير المعلومة لأحد هو الطريق للفوز بصك الشجاعة؟.
أنا عن نفسى لا أملك إجابات، ولكنى مقتنع تماماً بأنه لا أحد فى مصر يملك معلومة واضحة وصريحة أو حتى مصابة بنوع من العور فى ملف التوريث، لا أحد فى مصر التى تسير بالبركة يعرف المصير الحقيقى لكرسى الرئاسة.. إلا الرئيس مبارك وحده.. كل القرارات المصيرية والهامة فى السنوات العشر الأخيرة كان خبرها اليقين عند الرئيس بمفرده ، وإلا بماذا تفسر لى صدمة رجال الفكر والسياسة والمقربين من الرئيس وعدم قدرتهم على الشرح أو التعليق عقب كل قرار رئاسى يتم الإعلان عنه، بداية من اختيار نظيف وحتى تعديل الدستور، ولذلك فكل كلمة تدور حول ميدان التوريث هى تكهنات طالما لم تصدر عن الرئيس نفسه، ثم تعال هنا وأخبرنى هل تجد أنه من الطبيعى أن يتحدث شعب عن مستقبله بينما هو غير قادر على التحكم فى حاضره؟
كل ما أعرفه عن التوريث يا سيدى شيئان.. الأول أنه لا أحد فى مصر سواء كان شخصا أو جهة أو تياراً يملك القوة أو المقدرة على منعه إذا حدث، والثانى أن الكلام عن التوريث وتمهيد الطريق لجمال مبارك نحو قصر العروبة راح ضحيته العديد من الشخصيات التى لاقت إجماعا سياسيا وشعبيا، وأهلتها كفاءتها لتكون موضع آمال وأحلام الناس فى إحداث التغيير السياسى المنشود. على حس التوريث وتكهناته تمت إزاحة شخصيات سطع نجمها وطرح الناس أسماءها كبدائل لما بعد الرئيس بعد أن اكتشفنا استحالة إزاحة الرئيس، يمكنك ببساطة الربط بين كل فترة كانت تعلو فيها نغمة الحديث عن التوريث وعرقلة أحدهم عن استكمال مسيرته سواء بالسجن أو بالإبعاد بداية من أيمن نور ومرورا بأحمد زويل وخيرت الشاطر وانتهاء بعمرو خالد وعبد المنعم أبو الفتوح، كل هذه الأسماء طرحت الناس أسماءها وشجعت صحف ومراكز أبحاث أمريكية صعودها، كل هذه الأسماء استقطعت مساحات شاسعة من الشعبية التى يحاول جمال مبارك جاهدا أن يكتسبها، فأصبحوا ضحايا لترشيحات لم يكن لهم فيها ناقة ولا جمل، راجع قصة كل فرد منهم وتاريخ غضب الدولة وصحفها عليه ستجدها مرتبطة باستطلاع على موقع إلكترونى رشح أحدهم للرئاسة أو ببحث أمريكى أشاد برؤيته وتطلعاته.
المواطنون السائرون فى شوارع مصر المحروسة كانوا ضحايا للتوريث أيضا وحملة تمهيد الطريق لجمال مبارك، بعد أن تحولوا إلى فئران تجارب تلقى لهم الدولة كل فترة ببلونة اختبار عبر تصريح أو شائعة تمر من هنا أو تأتى من هناك، لم يرد ذكر اسم «الشعب» فى معادلة التوريث، لم يتحدث أحد عن الناس ودورهم واختياراتهم، الكل تحدث عن خطط الدولة الخفية، والمؤامرات المتسبكة على نار هادئة لكى تصل بجمال مبارك إلى كرسى الرئاسة دون شوشرة.. حتى أصبح المواطنون ضحايا مثلهم مثل كل من تخطت أسهمه فى بورصة الناس أسهم جمال مبارك، أيقن المواطنون أنهم أصفار على الشمال فتحولوا إلى شركاء فى طابور الانتظار يبهرهم كل من يتكلم عن التوريث ويمنحونه نيشان الشجاعة رغم أنهم الفئة الوحيدة التى يمكن أن تقول «لا» وتملأ الطريق إلى قصر العروبة بالمطبات.. هذا إن لم تكن سيارة التوريث وصلت إلى حدائقه من زمن فات؟!.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة