هناك وساطة عربية تجرى حاليًا لرأب الصدع بين الرئيس الفلسطينى "محمود عباس" و"فاروق القدومى" أمين سر حركة فتح ورئيس الدائرة السياسية فى منظمة التحرير الفلسطينية، ونشرت جريدة "الرأى" الأردنية عن مصدر فلسطينى مطلع قوله "إن القدومى وضع عدة شروط للقاء عباس، أهمها التخلص من محمد دحلان وزير الشؤون الأمنية السابق، وتجميد عضويته فى منظمة التحرير"، وأن الوساطة الجارية تتمثل بعقد لقاء مصالحة بين "عباس" و"القدومى" لتنقية الأجواء عقب الاتهام الذى فجره "القدومى" قبل أيام للرئيس "عباس" والقيادى بفتح "محمد دحلان" بالمشاركة فى مؤامرة اغتيال الرئيس الفلسطينى الراحل "ياسر عرفات" فى عام 2004، وما دام "أبو اللطف"، فاروق قدومى، ينوى الصلح مع "أبو مازن" فلماذا كان اتهامه له منذ البداية بقتل "عرفات"؟، فربما كان هذا الاتهام مجرد مناورة من "أبو اللطف" لإجبار "أبو مازن" على الخلاص من "دحلان" رجل الأمن الذى حامت حوله دائما الاتهامات الكثيرة ومتعددة المصادر بعمالته للموساد الإسرائيلي، وسواء كان "دحلان" عميلا للموساد الإسرائيلى أو لم يكن، وسواء اشترك "دحلان" فى اغتيال "الرئيس" أم لم يشترك فسوف تبقى تاريخيا ودائما كل محاولات اغتيال "ياسر عرفات" التى تمت وسبقت استشهاده تؤكد على اشتراك شخصية ما مهمة ومقربة جدا من "ياسر عرفات" فى محاولات الاغتيال، ويقول يحيى رباح: "ما أعرفه أكثر من 30 محاولة اغتيال، وفى إحدى المرات ألقى القبض على مدير مكتبه "أبو السعيد" الذى أخفى السم فى جيبه 6 شهور، وهو عبارة عن حبة تشبه حبة الأرز تماما، وكان مطلوب منه أن يضع هذه الحبة فى طعام عرفات، وكان "أبو السعيد" هو الرجل الأقرب الذى يشرف على تفاصيل حياة "عرفات"، وكان الموساد الإسرائيلى قد استطاع تجنيده، وأن يكلفه بالاغتيال، وقد كانوا يدبرون طرقا للالتقاء بأبى السعيد فى الخارج، ومن ثم يأخذونه داخل إسرائيل لتدريبه على المهام التى يقوم بها، وبقى الجاسوس الخطير فى صراع بينه وبين نفسه لمدة 6 شهور، إلى أن انكشف أمر صلاته بالمخابرات اللبنانية، وكانت إسرائيل تأمر جواسيسها دائما بأن يتغطوا بالعمل مع جهاز مخابرات عربى، لأنهم يعرفون أن الفلسطينيين حينما يلقون القبض على جاسوس عربى فإن ذلك يثير حساسية مع الفلسطينيين أنفسهم تدفعهم بعدم إعدام الجاسوس العربى، ولكن اتضح فيما بعد أن "أبو السعيد" له أيضا علاقة بالمخابرات الإسرائيلية وكان مكلفا باغتيال عرفات بالسم، وتم إعدامه فى مقر قيادة ثكنة الـ17 فى بيروت التى كان بها مكتب "عرفات"، وقد سمعنا يومها أن "الأخ أبو عمار" نفسه هو الذى أعدمه بعد صدور الحكم بإعدامه مستخدما المسدس "سميث 50" المصنوع من الفضة الخالصة والمعلق دائما فى خاصرته والذى حضر به أول لقاء له فى هيئة الأمم وهو يلقى خطابه الشهير الذى افتتحه مخاطبا أعضاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة بقوله: "لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدى"، حيث رفض يومها "ياسر عرفات" أن يلقى خطابه بدون أن يكون مسدسه معلقا فى خاصرته وكانت هذه المرة هى الأولى، وربما الأخيرة، التى يلقى فيها أى "رئيس" خطابا له فى الأمم المتحدة وهو يحمل مسدسا، وقد قال "أبو السعيد" نفسه فى التحقيقات قبل إعدامه بتهمة "الخيانة العظمى" إنه حمل فى جيبه حبة الأرز التى تشوبها زرقة طفيفة جدا لا ترى بالعين المجردة لأول وهلة لمدة 185 يوما متحينا الفرصة السانحة لدسها فى طبق طعام "الختيار"، لكن طباخه لم يقدم له طبق الأرز طوال هذه المدة، حيث كان طعام "الأخ أبو عمار" لا يزيد عن قطعة الجبن الأبيض أو قطعة اللحم المشوى أو حتى سمكة واحدة، وكما قال "يحيى رباح" إن "ياسر عرفات" قد تعرض فى حياته لأكثر من ثلاثين محاولة لاغتياله فشلت كلها لحس "عرفات" الأمنى أو لبراعة الأمن الفلسطينى المكلف بحمايته، حيث كان عرفات يختارهم وحده بنفسه وتربطه بهم علاقات شديدة الخصوصية، ويقول "يحيى رباح" فى سنة من السنوات قضى "الختيار" بضعة شهور يأخذ طعامه وماءه معه عندما يسافر إلى دول بعينها، مدعيا أنه يمر بحالة صحية معينة، وأن الأطباء وصفوا له هذا الطعام وهذا الشراب، حتى لا يضطر أن يأكل من طعام تلك الدول التى يزورها، لأنه كانت لديه معلومات أنه مدرج على قائمة الاغتيال، وكان عندما يأوى إلى النوم بعد أكثر من 20 ساعة من العمل يعلم أن رأسه موضوع على مخدة من المتفجرات، لا يعرف إذا كانت ستنفجر الآن أم لا، وعاش كل حياته على جناح وتوقعات الخطر، فإذا كان "شارون" قد نجح أخيرا فى تفجير المخدة تحت رأس "عرفات" أو فجر أمعاءه بالسم فإن "عرفات" لم ينهزم أمام "شارون" فى كل المواجهات العسكرية العلنية التى جرت بينهما، ومؤخرا وفى الأيام الأخيرة وقبل الاتهامات التى وجهها "القدومي" لأبى مازن، تم تسريب خبر يقول إن "فتح" ستقدم للمؤتمر السادس توصية بفصل "دحلان" والقيادى بالحركة "رشيد أبو شباك"، وأيضا "سليمان أبو مطلق" واعتبار الأشخاص الثلاثة "مسئولين" عن الوضع الذى آلت إليه الأوضاع فى قطاع غزة، فى إشارة إلى سيطرة "حماس" على قطاع غزة منتصف العام 2007، فيما أكد بعض القريبين من صنع القرار فى "فتح" أن "فتح" سوف تفتح قريبا ملف "اغتيال عرفات"، وبالتأكيد فإنه من الضرورى جدا فتح هذا الملف الخطير فى أقرب وقت ممكن، لأن ذلك لن يؤكد فقط على ضلوع بعض "القادة" الفلسطينيين مع إسرائيل فى اغتيال "عرفات"، لكنه سوف يضع أيضا مستقبل "فتح" و"الدولة الفلسطينية" كلها على المحك، إكراما لتاريخ وذكرى المؤسس الذى قاد الثورة الفلسطينية فى العصر الحديث منذ اندلاع شرارتها الأولى، وصولا إلى مشارف نجاح الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته الفلسطينية على أرضه المغتصبة, وإنا لمنتظرون.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة