حنان كمال

البيان الأول: اعتزلت النضال..

الأربعاء، 08 يوليو 2009 08:14 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ونحن نشاهد فيلم "دكان شحاتة"، كان علينا أن نوضح أشياء كثيرة لابنة صديقتى أمنية طلعت، ذات الثلاثة عشر ربيعا، كانت ميريت خائفة جدا وهى ترى المشاهد المتخيلة لخالد يوسف لجموع يحملون السيوف ويطوفون بها مصر، ينتشرون فى ميدان رمسيس، ويملئون البلد، حاولنا أن نقول لها إن مصر آمنة، لكن الأمانة اقتضت منا أيضا أن نقول لها "إن الأمر قد يحدث، فمصر تمر بمنعطف خطير، فى النهاية أيضا قررنا أن نحمل ميريت وجيلها مسؤولية مصر فى السنوات المقبلة، فجيلنا قد حاول وفشل، ونحن لا نريد أبدا أن نكون مثل رموز الحركة السياسية فى السبعينات نحتكر تمثيل الشباب حتى نعبر الأربعين، ونعرج على الخمسين، ونكذب وندعى شباب القلب، رغم أننا لا نستعير صبغة الشعر من رموز الحزب الوطنى، نحن نعترف ألا نجاحات تذكر لن ، لا بريق الزعامة يخلبنا، ولا نحمل المجد... ببساطة هكذا قررت اعتزال النضال فى يوم 8 يونيه 2009، قلت لميريت "هنيئا لكم.. لن تجدوا هكذا جيلا أكثر تسامحا وبساطة فى تسليم الراية".

لى صديق مازال مناضلا مسكينا، كلما تحاورت معه يثير أعصابى بحديثه عن حتمية الانتصار التاريخى، أنا أشفق كثيرا على صديقى المناضل.. أشفق عليه بسبب تفاءله العبثى، وأشفق عليه لأنه لم يصدق إلى مدى نحن (غارزون) فى هزيمة متراكمة عبر الأجيال، وبما أنه بمحض إرادته قرر التزام النضال فإننى أشفق عليه أكثر بسبب جسامة المسؤوليات الملقاة على عاتقه فى هذا الوطن.

على المناضل المصرى أن يحرر مصر والعراق وفلسطين وإيران.. ولربما وصلت أحلام بعض الخلايا النائمة لدرجة أنها ستحرر أفغانستان ولربما ستعيد بريق الاتحاد السوفيتى المرحوم فى قبره، يتظاهر المناضلون كل يوم وفق جدول مزدحم، فاليوم لمناهضة التعذيب فى السجون وأقسام الشرطة وغدا ضد التوريث وبعد غد لنصرة غزة، الثلاثاء ضد تزوير الانتخابات والأربعاء ضد الفساد، وفى نهاية الأسبوع سيتضامنون مع الثورة المخملية فى إيران، بعدها عليهم أن يذرفوا الدموع على مروة شهيدة الحجاب فى ألمانيا.

فى الواقع أشفقت أكثر على مناضلى مصر بعدما دخلت معركتهم ضد ملالى إيران فى صلب جدول أعمالهم، بالطبع لا حاجة لى أن أوضح إننى لا أرتدى عمائم الملالى، ولا أن أقسم على كراهيتى مثلهم لأحمدى نجاد، بجبهته الضيقة، وأفقه الأضيق. ولست بحاجة أيضا إلى أن أوضح أننى لا أتعاطف مع نظرية السادات الشهيرة "الانكفاء على الذات".

الحكاية ببساطة، هى أن الحياة السياسية عندنا ومنذ زمن طويل لديها وسيلتان محببتان للمواصلات: آلة الزمان، وآلة المكان، آلة الزمان التى عندنا هى تلك التى تعود بأفكار مناضلينا للوراء، تحن الحياة السياسية فى مصر للماضى، بعضهم ناصريون وبعضهم ساداتيون وبعضهم ملكيون يحنون لأيام النكلة والتعريفة، وبعضهم يعود لأبعد ذلك ويحلم بأيام خالد بن الوليد وغزوات الرسالة الأولى.. أما آلة المكان فهى كالحلزونة تأخذهم بعيدا وبعيدا جدا، مرة فى العراق، ومرات فى فلسطين، مرة فى أفغانستان مجاهدين، ومرة فى إيران متحررين ومحررين، وفى الحقيقة فإن أكثر من اهتم بالعمق المكانى لمصر كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، كان عروبيا وأمميا، ولكنه وقبل كل شىء اكتشف شيئين اثنين، وهو مازال شابا يصغرنى بسنوات عديدة، اكتشف أولا "أن المعركة الحقيقية تبدأ فى مصر"، كان وقتها يناضل نضالا حقيقيا فى حرب فلسطين سنة 1984، ومحاصرا فى الفلوجة فإذا به يخرج بنتيجة مفادها، أن المعركة الحقيقية فى مصر وليست فى فلسطين، الاكتشاف الثانى هو أنه لكى يفعل شيئا يجب ألا يرتدى عباءة الآخرين لذا فقد فجاء فريدا، وفاعلا وأصبح وهو فى سنى تماما رئيسا للجمهورية صانعا لسياساتها التى تختلف أو تتفق معها، فى الحقيقة أن اكتشافات عبد الناصر المبهرة هى أول ما سقط من عقول الناصريين أنفسهم، فقرروا ارتداء عباءة الرجل ولم يفكروا أبدا فى كل العقود التى مرت، ووضعوا كل أسهمهم فى تظاهرات صرخت طويلا لأجل فلسطين السليبة، بينما كانت مصر تسلب أكثر، ما ينطبق على الناصرين ينطبق على الجميع. ولا يستثنى أحدا.

لا أريد أولا أن ندخل فى جدال فرعى حول ما فعله عبد الناصر، أخفق أم أصاب، فما أريد أن أقوله حقا، هو أن أننا نحتاج وبشدة أن نطوى الصفحة، ونقطة، ومن أول السطر، نحن الأن نكاد نتم العشرية الأولى فى الألفية الثالثة بعد ميلاد المسيح.

ألح على التفكير فى مناضلى مصر مرة أخرى وأنا أتابع عادل السامولى، بالطبع أنت لا تعرف الاسم، وهو يطرح نفسه كمرشح للرئاسة، المرشح الغامض هبط بالبراشوت من بلاد المغرب البعيدة وصار يدبج كل يوم خطبا عصماء، يدعى فيها امتلاكه لمفاتيح الحل لأزمة مصر، يرسلها بالبريد الإلكترونى، وعبر الفيس بوك، ولا مانع من مكالمات دولية تبدو رسمية للتعريف للمناضل الذى نجح فى لفت أنظار بعض النخبة فى مصر ووقفوا يتفرجون.. على مستقبل لا يصنعونه، المرشح الغامض منبت الصلة عن الحياة السياسية فى مصر، ذكرنى بمرشح آخر، دأب على تقديم أوراقه للترشح للانتخابات الرئاسية، وقتما كانت استفتاء، وهو رجل مختل عقليا اسمى نفسه "هتلر سيد سعدة"، كان يطوف على مقار الأحزاب وفى صحبته خمسة أطفال بائسين، يطرح برنامجه المتصور للنهوض بمصر، كنا فى الواقع نشفق كثيرا على مصر، ونشفق أكثر على أبناء الرجل الذين يتبعونه وهزال الفقر بادى عليهم ولا يرتدون ما يسترهم فى برد الشتاء، اليوم أعود لأشفق على مصر أكثر لأنها صارت أكثر فقرا وهزالا وبردا من أبناء المرشح الغلبان، أشفق على مصر لأنه يبدو أنه ليس أمامها إلا البرنامج الانتخابى للسيد هتلر سعدة والخطب العصماء للسامولى التى تدعى قدرته على حل كل المشاكل، بينما من احتكروا لسنوات طوال منصات العمل السياسى غائبين فى حلقة ذكر واسعة طرفها فى طهران، وطرفها الآخر فى غزة، ومفاتيحها فى الأرجح ما زالت فى واشنطن، بينما يأخذهم مخدر الوقت لأزمان سحيقة.

مساكين مناضلون هذا الوطن، لكن المسكين الأكبر هو هذا الوطن، الذى يعيش فراغا غير مسبوق، الرئيس على وشك الاعتزال، حسبما يشاع، التوريث هو البديل المرفوض، بينما لا أحد يملك بديلا حقيقيا، نعطى أنفسنا الحق لنختار ما بين موسوى وأحمدى نجاد، بينما تخلو القائمة عندنا من المرشحين الحقيقيين.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة