منذ سنوات ونحن نسمع عن كذبة كبيرة اسمها «حوار الأديان»، فكل الشواهد الآتية من هذه الكذبة تقول إنها الباب الخلفى الذى تدخل منه إسرائيل إلى العالم الإسلامى، وفى القلب منه، محاولتها الدؤوبة على ترويض ضمير المسلمين الفقهى والعلمى المتمثل فى مؤسسة الأزهر، لم ينجح هذا الحوار المزعوم فى أن ينقذ مروة الشربينى من سكين سفيه متطرف فى المانيا، ولا يستطيع أن يضمن عدم تكرار مثل هذه الجريمة البشعة التى راح ضحيتها سيدة مصرية مسكينة، سافرت مع زوجها إلى المانيا من أجل الدراسات العليا، ورأى المتطرف الألمانى فى حجابها دافعا لارتكاب جريمته، رغم كل نداءات «حوار الأديان» بالعيش المشترك والأخوة فى الأوطان، واحترام خصوصيات الأديان.
كانت الجريمة تتم على الأراضى الألمانية، بينما يواصل شيخ الأزهر فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوى ومعه وزير الأوقاف حضور جلسات مؤتمر حوار الأديان فى كازاخستان، وصدّرت إلينا وكالات الأنباء صورة شيخ الأزهر وهو يجلس على منصة المؤتمر وبجواره الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز، لم يكن هذا الفعل هو الأول من طنطاوى، فهو فعلها من قبل فى نيويورك، وصافح بيريز فى مؤتمر مماثل، وهاجم منتقديه وقتئذ بقوله، إن المصافحة تمت بالصدفة وأنه لم يكن يعرف شكل بيريز.
وربما يرى فضيلة الشيخ طنطاوى أن ما يفعله يفيد صورة الإسلام من زاوية أنه ليس مغلقا على الحوار مع الأديان الأخرى، وأنه لا يليق بمؤسسة عريقة عظيمة مثل الأزهر أن تغلق الباب أما م مبادرات الحوار، لكن يحق لنا أن نتساءل، هل استطاعت مثل هذه المبادرات، وفى القلب منها «حوار الأديان» أن تفرض رأيا على إسرائيل طوال السنوات الماضية؟، وهل أثمرت هذه الحوارات فى أضعف الإيمان ، اقتناع حاخامات إسرائيل المشاركين فى مثل هذه الحوارات بأن القدس هى حق طبيعى للفلسطينيين، وعاصمة طبيعية تاريخيا وجغرافيا لدولة فلسطينية منتظرة؟، وهل أثمرت حوارات الأديان (لاحظ كلمة الأديان) ، وقف أعمال الحفر والهدم الإسرائيلية للمسجد الأقصى بحثا عن أكذوبة «هيكل سليمان»؟، وهل أثمرت هذه الحوارات ، أن ملايين اللاجئين الفلسطينيين لهم حق العودة إلى وطنهم، بعد أن شردتهم المذابح والمجازر الصهيونية، وكان بيريز واحدا ممن ينفذونها؟، هل أثمرت هذه الحوارات، وقف جريمة الاستيطان التى تستهدف محو الخريطة السكانية للفلسطينيين من على وجه الأرض؟، هل أثمرت هذه الحوارات ، وقف الاعتداءات الوحشية منها ضد الفلسطينيين، ويقف وراءها حاخامات يهود، وهل أثمرت هذه الحوارات على ملاحقة إسرائيل فى قرارها باعتبار أنها دولة يهودية بما يعنى أن المسلمين والمسيحيين الذين يرفضون هذا الاختيار العنصرى عليهم مغادرتها والبحث عن وطن آخر؟، والمفارقة أن هذه الأسئلة تنفذ إلى البعد الدينى الذى يقوم حوار الأديان على أساسه.
الأسئلة كثيرة ومتلاحقة، وقد يرى فضيلة شيخ الأزهر أن تعقيدها، والاجابة عنها من شأن السياسة والسياسيين، وأن الأزهر بوجهته الدينية ليس له شأن بذلك، لكن هذا المنطق مردود عليه بأن مجرد صورة له مع رئيس إسرائيل قادرة على أن تحصد مكاسب لإسرائيل تعجز آلتها العسكرية بكل وحشيتها عن أن تحصده، صورة تقول لمن تهفو قلوبهم إلى الأزهر كقلعة إسلامية شامخة، هاهو شيخه يجلس بجوار الرئيس الإسرائيلى، فكيف ترون بعد ذلك فى إسرائيل دولة احتلال واغتصاب؟. صورة تختصر الكثير لصالح إسرائيل، بتقديمها على أنها دولة وديعة تحب الإسلام والمسلمين، وأنها ترغب فى العيش بسلام مع جيرانها، وأن الجيران هم الطرف الذى يرفض هذا التوجه.
قضية حوار الأديان بكل الخلفيات السابقة هى أقرب للعلاقات العامة يتم فيها استثمار رجال دين لهم فى نفوس شعوبهم تقدير من نوع خاص، لتمرير أجندات سياسية معينة، والمؤكد أن إسرائيل تشارك فيها على هذا النحو، وتحصد فى كل جولة من جولاتها الكثير والكثير، أما نحن فلا يبقى لنا منها غير مجرد كلمات لاتعيد الحق لأصحابه، ونهلل فقط للمشاركة باعتبارها فتحا مبينا نحو الانفتاح على الآخرين.