للأشياء الجميلة فى بلد مثل مصر طعم آخر أكثر حلاوة من تلك الموجودة فى البلدان الأخرى، ربما لأن الهم والغم قد اتخذ من أركان حياتنا سكنا دائماً، أو ربما لأننا من كثرة بحثنا عن شىء يفرحنا أصبحنا نجعل من الحبة المفرحة قبة كبيرة حتى نستمتع بها لوقت أطول، الجالسون على المقاهى يفعلون ذلك دائماً، وإلا بماذا تفسر لى صخبهم الدائم وضحكاتهم المتتالية؟ الأمر ببساطة يرجع إلى نشاطهم فى البحث عن نكتة واحدة أو خبر واحد جيد يلقيه أحدهم من هنا وتنطلق من بعده سلسلة النكات والأخبار المفرحة لترسم حالة ممتازة من التفاؤل قلما تتلبس المواطن المصرى.
أنا عن نفسى لم أعد أجلس على المقاهى ربما لأننى أكره رائحة الدخان، أو لأن الوقت نفسه يأبى أن يمنحنى فرصة الجلوس على مقهى «بندق» بجوار جامعة القاهرة، ولكن ربنا يصلح حاله «أحمد يونس» جاء بالقهوة بترابيزاتها ومشاريبها وسكرها ونعناعها وحكاويها وشبابها لحد عندى، الرجل كتر خيره لم يكلفنى عناء المشوار ولا يكلفنى أيضا عناء الحساب على المشاريب، على قهوة أحمد يونس مصر بشحمها وفرحها وجمالها موجودة، أولئك الذين يشكلون المستقبل، زباين من قطعية مختلفة، لن تسمع لفظا غير جيد، ولن تزعجك خناقة، ولن تشوش كركرة الشيشة على أحاديثك الجانبية، كما أن الدخان لن يعرف لصدرك أو أنفك طريقا.
على قهوة أحمد يونس حالة أخرى من الاستمتاع، لن تضطر للبحث عن موضوع للنقاش لأن كل القضايا مطروحة، ولن تضطر للبحث عن شىء يعدل المزاج لأن أعذب أصوات الطرب موجودة، آه نسيت أقولك حاجة.. على قهوة أحمد يونس لا مجال لمدعى الطرب، الصالة محجوزة فى أغلب الأوقات لفيروز وأم كلثوم ومحمد منير وعايدة الأيوبى ومن على شاكلتهم.
هل تسأل الآن على العنوان؟.. إذن دعنى أمنحك تلك الوصفة الهايلة والسهلة التى منحها الأراجوز للعمدة فى أوبريت الذى كتبه العظيم صلاح جاهين «الليلة الكبيرة».. بص يا سيدى هات الكرسى واجلس جنب الراديو فى المنزل أو ضع سماعة هاتفك المحمول فى أذنك أو خليك راكب فى عربيتك واقفل القزاز من الساعة 12 منتصف الليل وحتى الثالثة صباحا.. بس متنساش تضبط الموجة على نجوم إف إم.. سيأتيك صوت يونس ليرحب بك على القهوة، متنكسفش خدلك كرسى واقعد، لتدرك أن فى مصر شباب جدع، وان فى مصر حاجات حلوة، وأن للراديو سحرا آخر أقوى وأجمل 1000مرة من التليفزيون.
أحمد يونس فى برنامج «على القهوة» ليس مجرد مذيع، وبرضه مش معلم من المعلمين أصحاب القهاوى، هو زبون تشعر مع صوته أنك تجلس مع أحد زملائك الذين فقدتهم فى معركة تنسيق الثانوية العامة الصغرى أو معركة الشغل الكبرى، يونس يختار موضوعات برنامجه بدقة، يتفاعل مع مستمعيه، لا يترك شاردة ولا واردة إلا وتناولها، هو الآن يسهر يوميا مع طلاب الثانوية العامة بصحبة مدرس المادة اللى عليها الدور فى الامتحان يذاكر معهم ويضحك ويغنى، يونس صاحب قهوة زكى، يجرى ويبحث عما يجذب الزبون ويمتعه ولكنه يتميز عن الآخرون بأنه يبحث أيضاً عما يفيد الزبائن.. على قهوة أحمد يونس ستجد مصر اللى بجد، مصر التى نعرفها ونحبها بتلقائية ناسها وضحكتهم وأفراحهم وهمومهم.. ممكن بقى أبطل كتابة وأعزمك على واحد شاى بالنعناع سكر برة.. وما تخافش الحساب على أحمد يونس!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة