د. بليغ حمدى

المجتمع المصرى وتدريس الدين

الثلاثاء، 11 أغسطس 2009 02:33 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعد دراسة طبيعة المجتمع أساساً جوهرياً من أسس بناء منهج التربية الدينية الإسلامية، فالأفكار والمعتقدات الرئيسة والقيم المتعارف عليها اجتماعيا، وأساليب العمل، وغير ذلك من الخصائص التى تميز طريقة الحياة، تعد مصدراً رئيساً للفلسفة التربوية وللأهداف والمحتوى فى أى مجتمع وفى أى فلسفة، ومن أجل هذا نادى علماء التربية بضرورة ربط التعليم بمتطلبات المجتمع وظروفه ومشكلاته.

والمجتمع العربى عبارة عن أمة موحدة متجانسة موصولة التاريخ منذ أقدم العصور، وهذا المجتمع الكبير تنظمه جماعات صغيرة متفاوتة القدر والعمر، ولهذه المجتمعات الصغيرة ، أو لهذه النظم الاجتماعية علاقات ووظائف مثلها فى ذلك مثل الجوارح والأعضاء فى الجسد الحى، يكمل بعضها بعضاً. ولهذا المجتمع العربى الكبير خصائص تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى، وإن كان يشترك معها فى المشكلات التى ترتبط بظروف الحياة فيه، ومنهج التربية الإسلامية يتفاعل مع خصائص المجتمع ويقدم حلولاً لمشكلاته.

ويعد المجتمع العربى مجتمعاً قديم النشأة، تمتد جذوره فى أعماق التاريخ، وكانت حضارته من أقدم الحضارات العالمية التى اكتشفت الزراعة، وشيدت المدن، وعرفت نظام الدولة، وابتعدت عن الثقافة البدائية وارتبطت بالثقافة الراقية المتحضرة. وعبر العصور التاريخية تعرض المجتمع العربى لتغيرات سريعة وعميقة شاملة ومتلاحقة لمجريات الأمور الحياتية فيه، مما كان له أكبر الأثر فى كل نواحى الحياة العربية، وبالرغم من هذه التغيرات التى حدثت وأثرت فى المجتمع العربى فإنه احتفظ بمجموعة من السمات والخصائص التى اتسمت بالأصالة والمعاصرة والثبات.

فمن خصائص المجتمع العربى أنه مجتمع متدين، فالتدين يضرب بجذوره فى أعماق المجتمع العربى منذ القدم، ولقد كانت سمة التدين فى الشخصية العربية سبباً رئيساً فى إكساب الروح الوطنية والفداء وجعلها سمة من سماتهم، ولعل العدد الهائل من الشهداء الذين افتدوا الإسلام منذ القدم حتى أواخر القرن العشرين يؤكد وحدة وترابط هذا الوطن منذ مئات السنين.

وأن تلك الروح الوطنية والفداء التى رسخت فى قلوب المسلمين لدليل على إيمانهم بدينهم وليس كواجب وطنى فقط.

وتعد سمة الكرامة من سمات المجتمع العربى، حيث عرف العربى المسلم بالحفاظ على كرامته، والدفاع عنها بكل ما أوتى من قوة، فعلى مرّ العصور التى تعرض فيها الإنسان العربى لألوان الاستغلال والقهر لم يخضع للطغاة والإقطاعيين، بل قاومهم وقام بالثورات احتجاجاً على سوء معاملتهم، وقام الشهداء فى سبيل وطنهم وأرضهم وسمة الكرامة هى التى دفعت المجتمع العربى المسلم لتحدى القهر الخارجى وهضم الغزاة والمستغلين.

ومن الملامح الرئيسة للمجتمع العربى المسلم تمسكه بالعادات والتقاليد الطيبة وحرصه على ممارسة الفضائل التى اكتسبها من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مثل الصدق، والإحسان إلى الفقراء، وإغاثة الملهوف، والبر، والوضوح والصراحة، والدأب والمثابرة،، والوفاء، والنزوع المستمر إلى النفع والخير بلا تفريق، وكذلك التطلع الأصيل إلى الكمال، ويتجلى ذلك فى الإنجازات الحضارية، وكذلك الجسارة فى مواجهة المجهول وفى تحمل المخاطر.

ومن أبرز سمات المجتمع العربى المسلم سمة الصراحة، وهى سمة حضارية تنبعث من الدين الإسلامى الحنيف، ونجد أيضا سمة الوسطية والاعتدال والتعقل. وقد اكتسبت سمة الوسطية فى الشخصية العربية الإسلامية القدرة على الجمع بين الماضى والحاضر والمستقبل والمعاصرة والتراث والاقتباس، والدين والعلم، وهذا يؤكد على عدم التطرف أو التعصب أو الغلو والبعد عنه بشتى الصور.

ويواجه المجتمع العربى المسلم تحديات فى حاضره ومستقبله،وهى تختلف عما تواجهه المجتمعات الأخرى، منها ما هو فكرى، ومنها ما هو اجتماعى، ومنها ما هو اقتصادى ، ومنها ما هو سياسى، ومن أبرز هذه المشكلات التى تواجه المجتمع العربى الأمية الدينية، وتعنى الجهل بأمور الدين، وعدم العلم به،أو الفهم الخاطىء لتعاليمه، والعلم ببعض جوانبه، وإهمال الجوانب الأخرى، ومن الواضح أن الفهم الخاطئ للإسلام ينطلق من تفسيرات مغلوطة لتعاليمه، وهذه التفسيرات تجعل منه ديناً جامداً منغلقاً متقوقعاً لا يقوى على مسايرة الزمن، ولا يراعى متغيرات الحياة.

ولعل هذه الأمية الدينية ترجع أيضاً إلى ضآلة مكانة التربية الدينية الإسلامية فى المدرسة فى بعض البلدان العربية، حيث احتلت اهتماماً قليلاً فى المنهج المدرسى، من حيث قلة ما يعطى للتلاميذ خلال المراحل الدراسية، إذ لا يفى الغرض المطلوب، وعدم الارتباط بين ما يقدم بمراحل نمو المتعلم وواقع حياته.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة