على مدار الأسبوع الماضى قام صديقى الكاتب العلمانى سعيد شعيب بعرض رؤيته حول بعض القضايا، وعلى رأسها الولاية الكبرى، والمرأة، وحكم الأغلبية، وغيرها من القضايا الشائكة التى تعد خطوطا فاصلة بين رؤية الإسلاميين الإصلاحية وبين رؤية العمانيين الغربية.
وفى السطور التالية أريد أن أوضح مجموعة من الحقائق، لعلها توقظ العلمانيين وتردهم إلى رشدهم إذا كانوا بالفعل يريدون أن يصلوا لشاطئ الحق، بعد أن أبحرت سفن أفكارهم فى بحر لجى ظلماته بعضها فوق بعض.
* إن معظم العلمانيين- للأسف- معركتهم ليست مع الإسلاميين، لكن معركتهم الفعلية مع الإسلام والتدين بشكل عام، فهم يستهدفون شعائر الإسلام وحدوده وفرائضه، ولننظر لمواقف هذا القمنى ونصر أبو زيد وغيرهم، ستجدون أنهم يتعرضون للشرائع الإسلامية بالسب والطعن؛ فمنهم من يرفض فريضة الحجاب المنصوص عليها فى القرآن، ويصفها بالتخلف والرجعية، ومنهم من يجاهر بالفطر فى نهار رمضان تحديا لمشاعر المسلمين، بل منهم من يتهكم على الحدود الشرعية، ومنهم من يطعن فى فرائض الإسلام، وذلك بخلاف تصميمهم على حبس الإسلام فى الجانب التعبدى وفصله فصلا كاملا عن الحياة.
ولو وقف العلمانيون عند حد نقد الإسلاميين ومواقفهم وبرامجهم السياسية لكان الأمر كله يقع تحت عباءة اختلاف الفكر؛ لأن أى تجربة إنسانية من حق الجميع أن يُقيمها ويناقشها؛ لكن الخطير فى الأمر أن العلمانيين استغلوا محاربة النظام للإسلاميين، وقاموا بالطعن فى الدين وأصوله وقد اعترف بعضهم بذلك.
* إن قضية المواطنة قد تعرضت لها بالتفصيل فى مقالى السابق، وأكدت فيه على حرية العقيدة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتولى المناصب بكل أشكالها، وألوانها، فيما عدا الولاية الكبرى، وذلك لما ورد فيها من نصوص ولن نستطيع أن نجامل أحدًا على حساب ديننا، ويحكمنا فى ذلك رأى المؤسسة الدينية المصرية، وعلى رأسها الأزهر الشريف ومجمع البحوث الإسلامية وقد أجمع الجميع على عدم جواز تولى غير المسلم الولاية الكبرى؛ لذا الأمر لا لبس فيه، بل فيه نصوص حاكمة، وأيضا إجماع من أهل العلم السابقين واللاحقين؛ فلم الجدال خاصة وأن الأمر يرتبط بتشريعات سماوية؟!.
وأنا أطالب دعاة الحرية من العلمانيين، أن يقارنوا بين مكانة الأقليات الدينية فى المجتمعات المسلمة وما تتمتع به من حريات ومساواة وبين الأقليات المسلمة فى المجتمعات الأخرى، فانظروا للمسلمين تحت حكم الشيوعيين؛ فقد قامت الدولة الشيوعية بهدم المساجد على مدار 70 عاما، وجرمت الشعائر الإسلامية وهتكت أعراض المسلمين، كما انظروا إلى أحوال المسلمين فى البوسنة والهرسك وما حدث للمسلمين هناك تحت سمع وبصر العالم والعلمانيين من قتل جماعى واغتصاب عشرات الآلاف من المسلمات، كما انظروا للصين وما تقوم به من قتل وسفك لدماء المسلمين، وأخيرا انظروا للقوانين المقيدة للحجاب كما فى فرنسا وغيرها، ومن الغريب أن أقرأ للزميل سعيد شعيب أن الغرب ليس الحجة، ألم يكن الغرب هو مسقط رأس العلمانية ومؤسسها وناشر قيمها؟!
* إن المرأة فى المشروع الإسلامى وصلت إلى أعلى علييِن، حيث تعامل معها الإسلام على أنها متساوية فى الحقوق والوجبات مع الرجل؛ فلا فرق بينها وبين الرجل إلا بالتقوى والعمل الصالح، لكن لو نظرنا للغرب وعلمانيته لوجدنا أنه تعامل معها بطريقة شهوانية وحملها ما لا تطيق من الأعباء، بل حولها لسلعة تباع وتشترى، فصورها العارية انتشرت حتى على زجاجات ورنيش الأحذية، وأطلق لها حرية الزنا واختلاط الأنساب، بل نجدها أصبحت مطمعا لمحارمها؛ فها هو أب يزنى بابنته أكثر من 36 ألف مرة حسب ما تناقلت الصحف الغربية، وهذا يزنى بأمه وآخر يزنى بأخته، وكل ذلك باسم الحرية الشخصية التى جعلوها أعلى من أى تشريعات سماوية، لكن قيم الفضيلة والعفة وتحجب المرأة بالنسب لهم إرهاب وتطرف، وذلك بالرغم من أن كل الأديان حرمت الزنا، كما أنها فرضت الحجاب على النساء، لكنها العلمانية التى تريد أن تغرق النساء فى أوحال المادية والشهوانية، وتعزلها عن الطهر والعفة.
أما بالنسبة لتولى المرأة الولاية الكبرى فإن ذلك الأمر أيضا فيه نصوص قاطعة؛ لأن هذا المنصب يحمل المرأة فوق طاقتها، ويخالف طبيعتها البشرية، فالولاية الكبرى لها أعباء جسيمة تتطلب قدرة كبيرة، ولا تتحملها المرأة عادة إلا بمشقة أكبر من قدراتها، وذلك يتنافى مع طبيعتها النفسية والجسدية والعاطفية، كما أنها تعتريها أحوال خاصة كالحمل، والوضع، والرضاع، والحيض والنفاس، إضافة إلى تربية الأولاد، ومن هنا كان منعها من ذلك الأمر رحمة بها، وقد أفتت المؤسسة الدينية المصرية أيضا بعدم جواز تولية المرأة هذا المنصب؛ لكنها لها الحق فى تولى دون ذلك، ويكفى أن نعلم أن التى دافعت عن النبى فى غزوة أحد امرآة، وأن عمر بن الخطاب ولى الشفاء بنت عبد الله العدوية على السوق تحتسب وتراقب، كما أن المرأة جلست للإفتاء وإعطاء العلم، أى لم يحظر عليها أى منصب فى الدولة الإسلامية سوى الولاية الكبرى فقط؛ لوجود نصوص صحيحة فاصلة فى هذه القضية، وأنا أسأل إخوانى المسيحيين: هل يجوز أن يكون البابا ورأس الطوائف المسيحية امرآة؟ والإجابة يعرفونها جيدا.
هذه بعض الحقائق التى أريد أن تكون واضحة لدى الجميع؛ حتى لا يتلاعب أحد بزخرف القول الذى ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، الذى يدمر البشرية، وأدعو العلمانيين أن يكونوا صادقين مع أنفسهم وأن يراجعوا مواقفهم، بل أطالبهم بمراجعات فكرية يتطهرون من خلالها من التطاول على الأديان، ومحاربة الشرائع السماوية مستغلين نسمات للتوبة وتصحيح المواقف، وللحديث بقية عن تفنيد باقى افتراءات العلمانيين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة