د.فوزى حتحوت

مصر التى فى خاطرى

الثلاثاء، 18 أغسطس 2009 08:51 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن المتابع لأوضاع الدولة المصرية وما انتشر بداخلها من فساد وتراجع للقيم وترهل للعدالة وصراع من أجل البقاء لنظام يدور على رقبة جسد مترهل أعياه المرض وضرب بين جنباته الوهن.. لا يملك فى صراعه إلا الحلم والأمل دون أن يصل إلى علاج حقيقى، ويجد الجسم نفسه واقعا فى أيادى دعاة علاج وأصحاب مصالح فى بقاء الجسم على حاله يمتصون المزيد من جسده دون أن يصل إلى حد الموت، وبين منادين ببقاء الحال على ما هو عليه، إذا أراد هذا الجسد الحفاظ على تواجده أطول مرحلة ممكنة، وبين من يرون أن الجسد قادر أن يستعيد قوته، وكان دومًا الطبيب المعالج المنتظر لا يأت، ولا تسمع إلا صيحات وضحكات وعويل وبكاء وندم على هذا الجسم الذى التف حوله الدعاة والحانوتية والمسعفون والشاردون وأصحاب الأمل والمصالح ومصلحون قد لا يملكون غير الدعاء لهذا الجسم أن يعيد الله إليه عافيته وقوته، وأن يكون له قوة خيرًا من قوته السابقة، ولا تسمع مما تسمع إلا أقاويل..

فمن يقول العيب فى الرأس، ومن يقول العيب فى الجسد، وآخرون يرون العيب فى الرقبة وكسرها واجب، وهناك المنادون بالعلاج الشامل دون أن يتمكنوا من أن يقدموا هذا العلاج الشامل، فتارة يرفض الجسد وتارة ترفض الرأس المتعبة التى تخشى من التغيير المفاجىء، وتارة يرفض دعاة العلاج أو المعالجين والمشرفين على الجسم ككل العلاج، وتظل الحالة قائمة دون تغيير ودون علاج حقيقى، وتجد فى خضم الأحداث آراء وآراء وآراء دون قرارات حقيقية بالعلاج، وتضيع الحقائق وسط الشائعات والأكاذيب ووجهات النظر غير العلمية والجهل، ويظل العلم والأبحاث الحقيقية فى الخلفية بعيدة عن قراءتها، ويشرف على صحة المريض الجاهل والعالم والمنافق ومدعى العلم، وهكذا تستمر الحالة أملا فى اكتشاف دواء يرتضى به الجسم ككل ويقبله الكافة، ويظل الأمل فى اكتشاف هذا الدواء مُسكن والعثور على الطبيب الحقيقى معجزة داخل هذا الكم من البشر المحيطين بهذا الجسم، الذى اختلط فيه الحابل بالنابل فى أمره.

وتظل الحالة المصرية فى وضعها الراهن فى انتظار الطبيب الخبير القادر أن يشخص الحالة بشكل قابل للعلاج، وقادر أن يزيل ما اعتلى الجسم من طفيليات وأورام وملوثات ويضمن الحفاظ على أدواته من التلوث والعبث بها فى أثناء إجراء العلاج، وقادر أن يدير الوضع حول الجسم ورد كل تدخل غير صحيح وغير مجد، ويرد الجهلاء ودعاة الإصلاح عن صياحهم وأن يكشف جهلم وفراغهم كلما استلزم الأمر.

إن مسيرة مصر أكبر من أن يخطئها الزمن أو أن يجهلها التاريخ، ولكن مصر تنادى على أهلها فهل من مستمع؟ ومن منهم قادر أن يقدم المساعدة الحقيقية، والحل الناجع، ويحمل الرؤية الواضحة لمستقبلها وأن ينقلها إلى مصاف الدول المتحضرة والمتقدمة فى هذا العصر، علينا أن نستفيد من أوضاع دول كانت أكثر منا سوءا، وأصبحت الآن فى وضع متقدم، علينا أن نستفيد من تجارب دول استطاعت أن تطور التعليم بشكل أكثر عملية ومنهجية، علينا أن نستفيد من طاقاتنا المختلفة سواء داخل مصر أو خارجها، علينا أن نفتح الأبواب لآليات التقدم، وليس لآليات البيروقراطية والمستندات والأوراق الكثيرة التى لا طائل من ورائها إلا الرص فى الأدراج والدواليب والملفات..

قبل أن نفكر فى الجباية علينا أن نفكر فى العطاء والمنح، علينا أن نبنى قاعدة بحث علمى قوية قادرة أن تقدم لمصر وأن تعيد الأمل فى مستقبل أكثر إشراقًا، وعلى النظام الحاكم أن يتبنى منهجا تخطيطيا واضحا لمصر فى عام 2020 و2050 بشكل تستطيع فيه مصر أن تأخذ بأسس وآليات التقدم والبناء والتخطيط النافع لشعبها سواء لحاضرهم أو مستقبلهم، وعلينا أولاً أن ننظر فى قواعد العدالة وآلياتها وسرعة البت العادل فى القضايا، وإن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، فأمور الناس تستقيم مع العدل، الذى هو أساس الحكم.

من المؤكد أن مصر بداخلها كوادر وعلماء مثل كل دول العالم، ولكن كيف يتم نجدتهم والاستفادة منهم قبل أن يصيبهم الإحباط والصدأ أو التفكير فى الهجرة إلى الخارج إلى دول قادرة أن تحترم قدراتهم وإمكانياتهم وتدعمهم، وتضع الأمل فى عقولهم ومهاراتهم وتنمى أحلامهم، ولن يتم إصلاح أو بناء قبل تحديد محاور هذا البناء والإصلاح، فالعقل لا يعمل على العموميات كما يذهب خبراء التنمية البشرية، وعلينا أن ننهض من غفلتنا، وأن نعمل ونعمل وحتى إن انشغل النظام الحاكم، فهو واجب الشعب أيضًا أن يبنى بلده وأن ينميها وألا يضيع الوقت فى أمل لا يعمل من أجله شىء سوى الصراخ والعويل، ولا يملك له بديل حقيقى يمكن الاستناد إليه، والتعويل عليه، وعلينا ألا نقع فى بديل يسرق مصر فى خضم غضب أو إحساس بالظلم أو نكاية فى الوضع القائم.

هل نحن قادرون أن نحصن بلادنا بالعدالة وبالعلماء وبالتعليم وبالتخطيط الاستراتيجى، لا أن تضيع مصر (ولن تضيع مصر بإذن الله) فى أيدى حفنة من أصحاب المصالح ودعاة الإصلاح غير المنهجى وغير العلمى وأهل النفاق والجهل، وللأسف تدخل مصر فى نفق جد خطير إن لم تنتبه إلى ما يدور حولها من محاولات شحن الفتنة الطائفية ومحاولات الزج بها فى مستنقع الاحتياج والعوز، ونظل نفكر فى أمور تبعدنا عن الإصلاح الحقيقى ومقوماته، فالفاضى يعمل قاضى، والإحباط والفقر والغضب يولدوا الكفر. وستبقى مصر... التى فى خاطرى.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة