محمود عوض

فســـاد فوق.. وتواطؤ تحــت

الخميس، 20 أغسطس 2009 08:35 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جاءت المفارقة كاشفة تماما عن فارق العملة بين ما يقوله أهل السلطة، مشفوعا بالأيمان المغلظة، وما يقوم به أهل القانون الأمناء على العدالة فى هذا البلد، الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء ذهب ليرد على تساؤلات وتوجسات شباب فى سن البراءة تعلموا أن (واحد زائد واحد يساوى اثنين).

شباب من طلبة الجامعات حشدهم الحزب الحاكم فى معسكر صيفى وجاء إليهم رئيس وزراء، مبشرا بأن تكون ردوده بنفس صراحة أسئلتهم.. التساؤلات فى معظمها تركز على شيوع الفساد فى مجتمعنا بشكل غير مسبوق وصل إلى رغيف العيش، ورئيس الوزراء يرد عليهم بكلمات تبدو مفحمة، قائلا لهم إنه لم يوجد ولا يوجد فى مصر أى قمح فاسد جرى استيراده، بل إن رئيس الوزراء تحداهم بأن يذكروا له مواطنا واحدا تسمم من تناول رغيف عيش جرى إنتاجه من ذلك القمح المستورد.

فى نفس اليوم نشرت الصحف خبرا بالقبض على أحد مستوردى القمح الفاسد تنفيذا لقرار من النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بعد تحقيقات مطولة، فوق ذلك توجيه تهمة التواطؤ مع ذلك المستورد إلى ثلاثة من كبار موظفى وزارة التجارة والصناعة، اثنان منهما جرى الإفراج عنهما بعد دفع خمسين ألف جنيه كفالة لكل منهما، وحتى تلك النقطة أيضا كان وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد يلاحق الصحف بالبيانات والتصريحات التى تنفى دخول أى قمح فاسد إلى مصر فى أى وقت.

قضية استيراد قمح فاسد مطروحة على الساحة بقوة منذ العام الماضى على الأقل، لكن بفعل فاعل سرعان ما كان يجرى امتصاص تلك الاتهامات ثم الإصرار على المضى فى نفس الطريق، طريق السماح لحفنة من الأفراد بالاستمرار فى استيراد قمح لا يصلح أصلا للاستخدام الآدمى، وفى إحدى النقاط رد مسئول كبير بقوله إنه حتى لو كان القمح المستورد غير مطابق للمواصفات فإن الحل هو تنقيته من الحشرات ثم خلطه بقمح مصرى عالى المواصفات، يعنى الحل ليس وقف استيراد القمح الفاسد وإنما الاستمرار فى استيراده مع ستر عورته بفيتامينات محلية!

حتى سنوات قليلة مضت كانت هيئة السلع التموينية الحكومية التابعة لوزارة التموين هى المسئولة عن استيراد القمح بنفسها وتحت إشرافها ومسئوليتها، ولأن الزراعة المصرية كانت ولا تزال بخير فلم تكن مصر تستورد سوى مليونى طن قمح قبل تسع سنوات.. أصحاب «الفكر الجديد» فى السياسة قرروا إلغاء وزارة التموين من الأساس بحجة أنها موضة قديمة، وضم هيئة السلع التموينية إلى وزارة جديدة باسم وزارة التجارة والصناعة، بعدها اتخذوا بكل همة ثلاث خطوات متزامنة، أولا جرى تخفيض المساحات المزروعة قمحا فى مصر، وتطفيش مزارعى القمح من زراعته من خلال شراء قمحهم بأسعار متدنية لضمان عدم إقبالهم على زراعته فى السنة التالية، هذا أدى إلى ارتفاع ما تستورده مصر من قمح، من مليونى طن إلى سبعة ملايين طن سنويا.

ثانيا: جرى فتح الباب أمام شركات قطاع خاص مصرية لأول مرة لتقوم هى باستيراد تلك الملايين من أطنان القمح، وتحولت هيئة السلع التموينية إلى «شاهد ما شافش حاجة».. تطرح المناقصات لاستيراد القمح ولكنها لا تراقب استيراده، أما الإجراء الثالث الأكثر غرابة فى العالم كله فهو أن تقوم الحكومة بصرف قيمة شحنات القمح المقرر استيرادها مقدما لأولئك المستوردين، من قبل استيرادها وبالطبع من قبل فحصها.. فأصبحنا أمام إحدى عجائب هذا الزمن.. قطاع خاص يتاجر بفلوس الحكومة وليس بفلوسه، ليحصل بضعة مستوردين على الأرباح المضمونة تاركين للحكومة القمح الفاسد وبلاويه، بعد أن أصبح وجوده داخل مصر أمرا واقعا، وحينما نبه النائب مصطفى بكرى وآخرون فى مجلس الشعب إلى تسلل شحنات القمح الفاسد داخل البلاد أقسمت الحكومة بأن هذا لم يحدث وكل شىء تحت السيطرة، وقبل أيام قليلة تابعنا أيضا محافظ مرسى مطروح وهو يكتشف فى جولة تفتيشية أن المطحن الوحيد للقمح بمحافظته لا يوجد به منذ شهور سوى القمح الفاسد المتخم بالحشرات السامة.

فى اليوم التالى لأمر القبض على صاحب إحدى الشركات المستوردة للقمح الفاسد نشرت «الأهرام» بصفحتها الأولى فى 7/8/2009 خبرا على عمودين عنوانه «النيابة تتلقى تقريرا روسيا بعدم صلاحية شحنة القمح».. وتفاصيل الخبر تقرر أنه «علم مندوب الأهرام أن النيابة العامة تلقت تقريرا من روسيا يفيد بأن هذه الشحنة غير صالحة للاستهلاك الآدمى وأن هذه الأقماح تستخدم كعلف وليس لإنتاج الخبز»، كانت تلك معلومة خطيرة لأنها تؤكد سوء نية المستورد من الأساس، فدول عديدة تستورد القمح من روسيا ولم تشكُ أى منها من انخفاض جودته، لكن فى حالتنا المصرية دفع الجشع بمستوردينا إلى شراء نوع ردىء تماما من القمح الروسى الذى يستخدم فقط كعلف للحيوانات، ولذلك فسعره أرخص من القمح العادى بكثير، ومن هنا جرى استيراده إلى مصر لأنه يحقق أرباحا مضاعفة للمستوردين.

لكن ما لفت نظرى فى خبر جريدة «الأهرام» هو الإشارة إلى مزيد من التفاصيل فى صفحة داخلية، وحينما يتحول المرء إلى تلك الصفحة الداخلية يجد تفاصيل عن جوانب أخرى، بغير مزيد من التعمق فى تلك المعلومة الخطيرة التى تلقتها النيابة العامة من روسيا، ولا الجريدة أو أى جريدة أخرى تعمقت بمزيد من التفاصيل عن ذلك الدليل الخطير الحاسم، لا فى اليوم التالى ولا فى أى يوم آخر وكأن أصحاب المصلحة فى التعتيم منتشرون فى إعلامنا، تماما كما شملوا فضيحة القمح فى السنة الماضية بتعتيم شامل، شجع بحد ذاته على استمرار ذلك النوع من المستوردين فى جشعهم والمجىء بالمزيد من شحنات القمح الفاسد هذه السنة، وأصبح هذا يعنى عمليا أحد سببين أو كليهما معا: إما أن نفوذ تلك الحفنة من المستوردين على الحكومة وقراراتها أصبح طاغيا، أو أن أصحاب القرار داخل الحكومة أصبحوا متوحدين مع المستوردين.

والأصل فى الأشياء هو أن نزرع قمحنا لنصنع منه خبزنا، خصوصا أنه عالى الجودة، فإذا تعذر ذلك يصبح على الحكومة أن تقوم هى نفسها باستيراد القمح كما اعتادت أن تفعل سابقا، فإذا توقفت هيئة السلع التموينية عن ذلك وثبت بالدليل القاطع أن الشركات الخاصة تلاعبت واستوردت قمحا فاسدا سنة بعد سنة.. إذن هذا أدعى لأن تسترد الحكومة وظيفتها السابقة وتعود إلى استيراد القمح بنفسها، هذه ليست مناقشة فلسفية عن قطاع عام فى مواجهة قطاع خاص، هذا قمح لازم لصناعة رغيف العيش، يعنى سلعة احتكارية بطبيعتها حتى لو تعدد المستوردون، بما يجعلها أكثر خطورة من وضعها تحت رحمة وجشع حفنة مستوردين.

ومنذ العام الماضى على الأقل ألح أعضاء لجنة الزراعة بمجلس الشعب وكذلك غرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات على الحكومة بأن تعود هيئة السلع التموينية إلى استيراد القمح بنفسها بدون وساطات ولا سماسرة ولا شركات خاصة.. مصرية أو أجنبية، لكن الوزير المختص وحكومته الرشيدة رأسهم وألف سيف: لا عودة إلى الوراء.. لقد أخرجنا الحكومة من استيراد القمح ولن ندخلها فيه من جديد.

طيب.. وكل هذا الفساد المتزايد سنة بعد سنة؟ وكل هذا الخبز المخلوط بحشرات؟.. الرد عند رئيس الوزراء وحكومته هو: فلتأكلوا هذا الخبز كما هو أولا.. وحينما يثبت أن مواطنا قد تسمم من رغيف الخبز.. يحلها الحلال!

فيما بين عادل إمام ودريد لحام
نبهنى أصدقاء عديدون إلى موقع إلكترونى على الإنترنت اسمه «شريط» يحتفظ فى صفحته الأولى بخبر ورأى منسوبين لى، وبعد قليل تبين أن موقعا آخر يفعل الشىء نفسه.

الخبر عنوانه «محمود عوض يجرد عادل إمام من لقب الزعيم ويمنحه لدريد لحام»، ثم يقول نص الخبر: «قال الكاتب المصرى المعروف محمود عوض إنه من العدل القول بأن الفنان العربى الجدير بلقب الزعيم هو دريد لحام، ويرى محمود عوض أن دريد لحام يستحق هذا اللقب لعدة أسباب، من بينها أنه فنان لم يعط ظهره لقضايا وطنه وأنه يرى نفسه فى المواطن العربى المقهور، كما يرى محمود عوض أن دريد لحام لم يفقد إيمانه بالقومية العربية بعد، وأن اعتزاله المسرح منذ أكثر من 10 سنوات لم يكن لشىء إلا لأن الجمهور فى الماضى كان يصفق عندما يسمعه وهو يتكلم على خشبة المسرح عن الوحدة العربية، أما الآن فهو يضحك عندما يسمعه يتحدث عنها.

ومن بين الأسباب التى تجعل من دريد لحام زعيما للفنانين العرب، كما يرى محمود عوض، أنه أول فنان عربى من الفنانين الكبار يقوم بزيارة غزة من منطلق كونه فنانا عربيا يؤمن بالعروبة ومقاومة الاحتلال».. انتهى النص.

والواقع أن هذا ليس خبرا لأنه لم يحدد أين ومتى ولمن قلت هذا الكلام، ومحرر الخبر لم أسمع به أصلا ولا سمع به أى أحد سألته.

فإذا كان محرر الخبر يريد أن «يبايع» دريد لحام على هذا النحو الملفق فهو حر، لكن ليس من حقه تلفيق كلمات وآراء ينسبها لى بالباطل.. فضلا عن أننى فيما أظن لا أعتقد أن دريد لحام أصبح محتاجا إلى مثل هذا التلفيق، أما إذا كانت المسألة مجرد نكاية فى عادل إمام فهذا تدنٍ غير مسبوق فى مستوى الأداء المهنى وانحدار جديد إلى نوع من «التلقيح» لا تجده سوى فى الصحافة الصفراء.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة