قرار فورى بتسريح السادة المسئولين عن الإعلام الحكومى، ومصادرة ما بحوزة كل مسئول فيهم من فرش وورنيش على اعتبار أنها عهدة استلموها لتلميع وش الحكومة فإذا بهم يلطخونه ويتفنون فى تشويهه.. هذا أول قرار سأتخذه بعد العودة من زيارة البيت الأبيض لو كنت مكان الرئيس مبارك، أعلم أنك تملك من الدلائل ما يؤكد على ضرورة اتخاذ مثل هذا القرار قبل سنوات من الآن، ولكن دعنا نعفو ونغفر ونعتبر أن رجال الرئيس لا يرون من الغربال، ولهذا مازال أولئك المسئولون عن الإعلام الحكومى فى مواقعهم، يأخذون الحكومة من سابع أرض إلى ما هو أسفلها، ويأخذون المهنة من فوق الأرض إلى ما تحت سابعها.
انظر كيف تعاملت صحف الحكومة مع زيارة الرئيس مبارك إلى الولايات المتحدة، انظر كيف هلل التليفزيون المصرى وزغردت الصفحات الأولى للأهرام والجمهورية والأخبار لوقوف الرئيس على عتبة البيت الأبيض، ركز مع تلك الفرحة التى تقفز من سطور كل «جورنان» حكومى وهو يحاول أن يلوى عنق الكلام لكى يثبت لك أن زيارة الرئيس لأمريكا حدث تاريخى وإنجاز لابد أن يضاف إلى كتاب إنجازات الرئيس مبارك، هذه الفرحة التى تشبه فرحة فرق النجوع والقرى ومراكز الشباب حينما تضعها قرعة كأس مصر فى مواجهة الأهلى أو الزمالك وكأن مصر قزم شرفه العملاق بدعوته للعشاء، وكأن الرئيس مبارك تلميذ شرفه أوباما الأستاذ بحديث ودى بعيدا عن قاعة الدرس، وهذا ما لا نرضاه للرئيس طبعاً لقد ظهر الرئيس فى احتفائهم هذا وكأنهم مش مصذقين نفسهم إنه هيزور البيت الأبيض فى يوم ما، لقد أظهروا الرئيس كأنه كان مشتاقا لتلك الزيارة، وتعاملوا مع الزيارة نفسها كأنها صك اعتراف رسمى من الولايات المتحدة الأمريكية بوجود مصر على الخريطة الدولية، وصوروا الرئيس كأنه يبحث عن شرعية لحكمه عبر ابتسامة من شفتى أوباما أو ثناء من أفراد إدارته، هكذا يمكن لأى عاقل أن يترجم تلك الفرحة والفشخرة التى تنقل بها صحف الحكومة والتليفزيون المصرى تفاصيل زيارة الرئيس إلى واشنطن، فهل يدرك الرئيس ومن معه حجم الإطار الذى يسعى هؤلاء الذين ركبوا طائرته وسافروا بصحبته وضعه فيه؟ إنه يا سيدى يشبه حجم الإطارات التى توضع فيها صور لرؤساء دول مثل «جزر القمر» و«ليسوتو» وليس دولة بحجم وعظمة مصر، إلا إذا كان لهم ولك أنت رأى آخر.. الأمريكان أنفسهم يا سيادة الرئيس تعاملوا معك مثلما يتعاملون مع أى زائر رئاسى فى العالم، بل على العكس استقبلتك صحفهم بمزيد من الأسئلة عن أوضاع البلد المغلوطة والملخبطة وبعضها رفض الزيارة من الأساس، يعنى كل هذا الاحتفاء المبالغ فى وصفه عادة، وليس وصفة اسبيشيال لرئيس اسبيشيال.
عموما يا سيادة الرئيس أعلم أنك ستعود لنا مثلما سافرت، هكذا عودتنا فى كل رحلاتك لواشنطن، فقط سيتبرع أولئك المنافقون بالحديث عن إنجازاتك هناك، وكيف كانت نصائحك نبراسا لأوباما فى طريقه الرئاسى، ولكن كل ما أتمناه فى تلك المرة أن تعود محملا ببعض روائح واشنطن، وخصال البيت الأبيض، أظنك شاهدت أثناء زيارتك له كيف يدخل الصغير والكبير والفقير والغنى إلى القصر الرئاسى، وأظنك استمتعت لأول مرة بمشاهدة وزراء بجد وليس مجرد سكرتارية يحملون ورق البوسطة، وأظنك أحسست كيف يكون هو شعور الإنسان وهو يركب سيارة تسير على طرق بلا مطبات ولا انخفاضات أرضية ولا فواصل كوبرى تقتل الأجنة فى بطن أمهاتها، أظنك شربت هناك من ماء غير مخلوط بالصرف الصحى، وأظنك أيضا يا سيادة الرئيس شاهدت عن قرب كيف أن أوباما رجل عادى يسير فى الشوارع دون أن يغلقها على من فيها، ويخشى أسئلة شعبه، وترتعد ركبه من مجرد ذكر انخفاض شعبيته.. كل ما نتمناه أن تعود لنا من واشنطن وقد حملت بعضا من عبق هذه الحياة، وكل ما نحلم به أن تكون قد أغرتك هذه الأمور لكى تجعل لنا منها ولو الربع نصيبا نحياه قبل أن نلقى وجه رب بالتأكيد هو أكرم من الجميع!
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة