طبعا مافيش أى داعى أن أخبرك عن مدى الهيافة وسوء الصنع والسذاجة التى طلت علينا بها برامج ومسلسلات رمضان، وبرضه مافيش داعى لأن أكتب إلى السيد وزير الإعلام أنس الفقى لأعاتبه على تلك الخناقة الهبلة التى افتعلها وأوقع البلد فى مشاكلها بسبب هذه الأشياء، مافيش أى داعى أن أكتب عن وزير الإعلام الذى أهدر ملايين الجنيهات على مسلسلات وبرامج لا تصلح سوى للاستهلاك المراحيضى.. لأن كل ما قد أكتبه عن أو إلى سيادة الوزير لن يعبر عنه شىء سوى.. حسبى الله ونعم الوكيل، ومن بعدها دعاء بأن يجعل الله عقاب سيادته أن يحشره لمدة شهر أو اثنين فى غرفة مغلقة مع عدة شاشات تليفزيونية لا تعرض سوى تلك المسلسلات الكئيبة والساذجة والبرامج الكوميدية الرخمة التى أشعل نار الحرب فى البلد بسببها، وجنبهم شاشة صغيرة لماتشات الدورى الحمضانة عشان خاطر يفتكر تفاهة وعشوائية أزمة البث.
الغريب أن وسط كل هذه السرقة التى تتم عينى عينك للمال العام، والفكر العام أيضا عبر تلك المسلسلات والبرامج التى تتعامل معنا وكأننا جمهور داقق عصافير أو مخدش شهادة محو الأمية.. تذكرت «ماما نونا»، تلك البصمة التى منحت لرمضاننا قبل الماضى معنى، وتذكرت معها كيف كنا نصنع مسلسلات فى الماضى تحمل فكرة ومضمونا قبل ضرب النار وقمصان النوم، لا أعرف لماذا تذكرت «ماما نونا» فى مسلسل «يتربى فى عزو»؟ ولماذا شعرت للحظة أن فى هذا الشهر ستحل ذكراها الثانية؟.. ربما لأنها أصبحت رمزا ما لشىء نفتقده، أو ربما لأنها عبرت عن الهدف الحقيقى للدراما.. أى دراما، أو ربما لأنها تذكرنا بما تفعله حركة مغادرة الكبار للدار التى تتحول إلى خرابات إنسانية بعد سنوات من العمار بحنان وطيبة وحب، مصدره الوحيد حضن امرأة من زمن ماض، قد تكون أما أو جدة أو خالة أو عمة أو حتى قريبة من الدرجة الرابعة يجتمع ما بين ذراعيها كل رأس تئن بالشكوى أو قلب ذائب من التعب، ربما لأن كل منا عاش تجربة تلك الجدة الجميلة التى تصون وتحمى وتسمع وتحتضن وتتساقط يدها بضربات خفيفة على كتفيك فى زمن عزت فيه الطبطبة وعز فيه الحنان، ربما لأنها كانت ضاحكة مهما كانت المشاكل ومساندة مهما كانت الأزمات، ربما لأنها الوحيدة التى تفرد يدها بالعطاء ولا تحركها «ملليمترا» واحدا من أجل طلب.. ربما بسبب كل ما سبق وأشياء أخرى أكثر جمالا مما سبق، بكينا أنا وأنت لفراق «ماما نونا».
أذكر تلك اللحظة التى قالوا لى فيها إن والدك قد صعدت روحه إلى السماء، ولم تدمع عيونى أو تصرخ أحبالى الصوتية فظنوا أننى لا أصدقهم، ولماذا أصدقهم وأنا أملك حق اختيار آخر؟ أن أحلم وأفكر فى ضمته القوية لى عند دخولى من الباب.. نحن لا نصدق المصائب التى تحرمنا عادة من أشياء نحبها، لا نصدقها بسهولة ونظل نرقص على سلم الواقع والخيال فنبكى حينما نجد أماكن من نحبهم خالية ونشاهد تلك الشريطة السوادء على صورهم، ثم نضحك ونتنفس بحرية حينما نروح فى النوم ونمارس معهم كل ما نشتهيه من طقوس كنا ننعم بها فى الحياة.
فى الواقع لا نستطيع أن نلوم الله ولا الموت حينما يختطف منا أحبابنا، أما فى حالة «ماما نونا» فمارسنا لأول مرة حق الاعتراض على الموت ومقالبه السخيف، وقلناها فى نفس واحد: ليه.. ليه يموتها؟!
تسأل نفسك لماذا بكيت على شىء تعلم جيدا أنه تمثيل فى تمثيل ولماذا أصابك الحزن على فراق امرأة يمكنك بملامسة عدة أزرار على هاتفك أن تكلمها حتى الصباح وتشكر فى أدائها الرائع.. فقط لو معك نمرة كريمة مختار.. بكيت لأن نموذج «ماما نونا» داعب فى مخيلة عواطفك تلك الصورة الحنونة للأم المصرية، بكيت وأنت تكتشف أن هناك دفئا يسكن منطقة معينة فى الحياة وأنت بكل بساطة تحرم نفسك منه.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة