قال لى متحسرا أنهم لا يعطونه شغلاُ، وأحيان كثيرة يمر عليه يوم كامل لا يفعل فيه شيئا، رغم أن الشغل كتير.
هو يعمل فى إدارة الحاسب الآلى فى شركة كبيرة، ويريد مثل غيره أن يكتسب خبرات جديدة. لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يشكو فيها من هموم العمل.. ولكنها المرة الأولى التى يخوض فى التفاصيل. كان محبطا وحاولت فتح مسارات لحلول، حتى أشعره أننى أشاركه وأننى مهتم فعلا بأن تكون أموره جيدة.
توقعت وجود خلافات مع رئيسه وزملائه، ولكنه نفى وصدقته، فهو من النوع الهادئ الذى لا يحب المشاكل، ومثلى ومثلك يريد أن تسير أمور عمله بهدوء.. فقلت له ربما لا يريدونه أن يتعلم منهم "فيه ناس كده"، أمسك بطرف الخيط وأكمل فى ذات الاتجاه، واعتبرتها مجرد بخل مهنى، ألا تعلم غيرك حتى لا يصبح مكانك مهددا، ولكن هل من الممكن أن يخاف الكبير كل هذا الخوف من شاب صغير يريد مكانا فى الحياة؟
ربما. فرئيسه فى العمل أخذ تخصصا كاملا فى العمل لنفسه، يحتاج لجهد رهيب، ونادرا ما يستعين بأحد، وإذا حدث فليس من بينهم صديقى، وقلت له أنها مسألة وقت، فسوف يعتادون عليه ويعتاد عليهم.
لكنه رد: بيتهيألى السبب اختلاف الديانة.
انزعجت، وحاولت النفى، وكأننى أريد أن أطمئن نفسى إلى أننا لم نصل إلى هذا الدرك. ولكنه حكى لى عشرات التفاصيل التى تؤكد النتيجة التى توصل إليها بعد شهور وشهور.. فقد كانوا يظنونه فى الأيام الأولى من عمله من نفس ديانتهم.. و"كانوا بياخدو راحتهم فى الكلام"، ولكنهم اكتشفوا الأمر.
تزحزح موقفى وبدأت أنتبه إلى أن هذا موجود على أرض الواقع، وأن إنكارى له لن يفيد صديقى ولن يفيدنى.. ولاحقنى هو بجملة سريعة: همه بيعملوا كده رغم أننا إحنا مش كده.
صديقى الشاب الصغير مسلم ويعمل فى شركة معظم العاملين فيها مسيحيين، لكنى قلت له إن هناك مسلمين يفعلون ذات الأمر، "كانتونات" مغلقة على نفسها، وذكر وذكرت له شركات وأسماء رجال أعمال من كلا الديانتين.
لم أجد ما أقوله لصديقى الشاب، ولم أجد ما أقوله لنفسى.. ولكنى شعرت بخوف حقيقى من الكانتونات الطائفية التى تحرق قلب وعقل بلدنا. -
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة